كرمه

أما كرمه وجوده فحدث عن البحر ولا حرج، فمع ما كان يحياه من ضنك العيش وشظف الحياة إلا أنه كان أكرم الناس للناس، وكان أسعى الناس في قضاء حوائج المحتاجين، قال عبد الله بن المبارك: سخاء النفس عما في أيدي الناس أفضل من سخاء النفس بالبذل، هذا هو السخاء الحقيقي أن يتعفف الإنسان عما في أيدي الناس، هذا تعفف عما في أيدي الناس، وبذل ما في يده لسائر العالمين، ولقد بلغ من كرمه أنه بلغ منزلة يضرب بها المثل، يقول ابن فضل الله العمري: كانت تأتيه القناطير المقنطرة من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث، فيهب ذلك بأجمعه، ويضعه عند أهل الحاجة في موضعه، لا يأخذ منه شيئاً إلا ليهبه، ولا يحفظه إلا ليذهبه.

وقال الإمام الذهبي: كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهاد الأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد، حتى إن رجلاً كان محتاجاً إلى عمامة دخل مجلس ابن تيمية وهو مع أساطين عصره، فلما لمح الرجل يستحي من الطلب خلع ابن تيمية عمامته فشقها بنصفين وأعطى الرجل نصفها واعتم هو بالنصف الآخر! هكذا كان جوده.

وكان يتحرى التصدق بين يدي الصلاة، والدعاء ما أمكنه؛ لأنه إذا استحبت الصدقة بين يدي مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحبابها بين يدي مناجاة الله عند الدعاء والصلوات أولى من ذلك.

أما قوة فراسته فهذا باب بحر خضم يحتاج إلى حديث طويل، ولقد ذكر تلميذه الرباني ابن قيم الجوزية في شرح منازل السائرين من ذلك شيئاً كثيراً، فليراجع ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015