كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيما جرى بين معاوية وعلي وحكمهما

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يجوز لعن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سبّه، ومن لعن أحداً منهم كـ معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص ونحوهما، ومن هو أفضل منهما، كـ أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة وغيرهما، أو من هو أفضل من هؤلاء، كـ طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، أو أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، أو عائشة أم المؤمنين، وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين.

وتنازع العلماء: هل يعاقب بالقتل، أو ما دون القتل؟).

وقال: (والمهاجرون من أولهم إلى آخرهم ليس منهم من اتهمه أحد بالنفاق، بل كلهم مؤمنون مشهود لهم بالإيمان).

وقال: (وأما معاوية بن أبي سفيان وأمثاله من الصلحاء الذين أسلموا بعد فتح مكة كـ عكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، هؤلاء وغيرهم ممن حسُن إسلامهم باتفاق المسلمين، لم يتهم أحد منهم بعد ذلك بنفاق، ومعاوية قد استكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم).

وقال: (لما مات يزيد بن أبي سفيان في خلافة عمر استعمل أخاه معاوية، وكان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة، وأخبرهم بالرجال، وأقومهم بالحق، وأعلمهم به).

وقال: (فما استعمل عمر قط بل ولا أبو بكر على المسلمين منافقاً، ولا استعملا من أقاربهما، ولا كانت تأخذهما في الله لومة لائم).

وقال: (وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان، ولم يتهمهم أحد من أوليائهم ولا محاربيهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مأمونون عليه في الرواية عنه، والمنافق غير مأمون على النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو كاذب عليه مكذب له).

وقال: (وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون العصمة لأحد من الصحابة، ولا القرابة، ولا السابقين، ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله يغفر لهم بالتوبة، ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية أو بغير ذلك من الأسباب.

قال: وهذا في الذنوب المحققة، فأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون، وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور).

وقال: (ومعاوية لم يدّعِ الخلافة، ولم يبايع له فيها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وكان هو يقر بذلك لمن يسأله، وما كان يرى هو وأصحابه أن يبتدئوا علياً وأصحابه بالقتال، بل لما رأى علي رضي الله تعالى عنه هو وأصحابه أنه يجب على معاوية وأصحابه طاعته ومبايعته؛ إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد، وأنهم خارجون عن طاعته، وممتنعون عن هذا الواجب وهم أهل شوكة، فرأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب فتحصل الطاعة والجماعة.

وقال معاوية وأصحابه: إن ذلك لا يجب عليهم، وإنهم إذا قوتلوا كانوا مظلومين؛ قالوا: لأن عثمان قتل مظلوماً باتفاق المسلمين، وقتلته في عسكر علي، وهم غالبون لهم شوكة).

وقال: ثم إن حديث: (إن عماراً تقتله الفئة الباغية) ليس نصاً في أن هذا اللفظ لـ معاوية وأصحابه، بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته، وهي طائفة في العسكر، ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها، ومن المعلوم أنه كان في المعسكر من لم يرض بقتل عمار كـ عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار حتى معاوية وعمرو).

اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015