أيها الأحبة في الله: وإن هذه الشريعة الربانية التي قررت هذا لتحذر من أن تدخل الشفاعات أو الواسطات أو الواجهات أو المحسوبيات في تطبيق الحدود والشريعة، وجعل ذلك من باب الخيانة العظمى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27].
إذا جار الأمير وكاتباه وخانوا في الحكومة والقضاءِ
فويل ثم ويل ثم ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
يوم أن تدخل المحسوبية، أو الواسطة، أو الوجاهة، أو الشفاعة في حدود الله جل وعلا فإن ذلك نذير شؤم، ومؤشر بلاء على المجتمع.
سرقت امرأة من بني مخزوم وهي شريفة من شريفات قومها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورُفع شأنها إلى النبي، فحكم صلى الله عليه وسلم بما شرع له ربه، وبما أنزل عليه في كتابه، أن تُقطع يدُ المرأة المخزومية الشريفة، أن تُقطع يدُ هذه المرأة عالية النسب في مجتمعها، فأهم قريشاً أمرها، وخاضوا في شأنها، وقالوا: من يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرها، فقالوا: لا نجد إلا حِب رسول الله وابن حِب رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة، فجاء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها، فتمعَّر وجه النبي، واحمرَّت وجناته، وانتفخت أوداجُه، ثم قال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وخطب الناس، وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه: أيها الناس! إنما أهلكَ من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم القوي تركوه، وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها).
وحاشاها وهي الزهراء، وهي الحرم المصون، وحاشاها وهي الجانب الرفيع أن تسرق، ومع ذلك يعظم النبي صلى الله عليه وسلم شأن الشفاعة في الحدود: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها).
ومثل هذا وارد في زجر المؤمنين بأبلغ الخطاب.
الله جل وعلا يقول لنبيه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65].
فهل يمكن أن يشرك الرسول؟! لكن لبيان خطر الشرك.
ويقول الله جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].
وهل تخضع زوجات النبي بالقول؟! حاشا وكلا؛ ولكن من باب تشديد الأمر، والتغليظ والزجر في بابه وشأنه.
فكذلك -يا عباد الله- حذارِ حذارِ من أن تشفعوا أو تتوسطوا أو تتدخلوا فيمن وجب عليه حكم الله بكتاب الله، تطبيقاً لشريعة الله.
إن من أعظم المصائب أن ترى رجلاً يشفع في شاب قد هرَّب المخدرات، أو ترى رجلاً يشفع في أحد أسرته، أو قبيلته -والله- لو كان فيه من الخير ما يسعد به مجتمعه وأمته ما شفع في حد من حدود الله، ولا توسط في تخريب قد يُراد به أمن المجتمع والأمة.
فيا عباد الله: إياكم والشفاعة في الحدود، إياكم والوساطة، واعلموا أن من قدم رجلاً وفي المسلمين من هو خير منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، فإن في ذلك خطر أن يُرَجَّع أو يُرَدَّ من وجبت عليه العقوبة، سواءً كانت حداً أو تعزيراً، وبهذا تستقر الأمور، وتثبت المجتمعات، وفي المراوغة في تطبيق الأحكام، وتطبيق بعضها وترك بعضها يقع الفساد, والله جل وعلا قد عاتب بني إسرائيل يوم أن قال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:85].
فمعاذ الله أن تكون خاتمة الأمة أو أن خاتمة المجتمع المسلم تنتهي إلى هذا! بل الرضا بالقضاء، بل الرضا بما شرع الله في كتابه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
أسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يديم الأمن والطمأنينة على هذا المجتمع.
اللهم لك الحمد أولاً وآخراً على ما شرعت من إلقاء القبض، وهيأت من أسبابه على الطُّغْمة المفسدة الحاقدة، من أبناء الشيعة الرافضة، الذين أرادوا التفجير في بيتك الحرام، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد حمداً لا يتناهى، ملء السماء وملء الأرض.
اللهم لك الحمد كما يرضيك، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان.
وإن المسلمين جميعاً ليهنئون ولاة الأمر ورجال الأمن على هذه النعمة، ويدعون لهم بالسداد والثبات والتوفيق، ويطلبون مزيداً من الضرب بأيدٍ من النار والحديد على من زاغ عن طريق الأمن وصراط الله المستقيم، فبهذا تنعم المجتمعات بالطمأنينة.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازِه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم من كان منهم محسناً فزد له في حسناته، ومن كان منهم مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، يا خير من تجاوز وعفا، ربنا عاملنا وعاملهم بعفوك، وما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى والمغفرة.
اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيِّماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك، يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أحسن بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وما يرضيك يا رب العالمين! اللهم لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرِّح علينا ولا عليهم عدواً.
وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين! اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن ختامنا، ويَمِّن كتابنا.
اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وخير أعمالنا خواتهما.
اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء.
اللهم انصر المجاهدين، واهلك المنافقين بينهم، اللهم اهلك المرجفين في صفوفهم، اللهم اهلك الشامتين بهم.
اللهم انصر المجاهدين، وأقم دولتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، واجمع كلمتهم، وسدد رصاصهم برحمتك يا رب العالمين! اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين، اللهم عليك باليهود، أبناء القردة والخنازير، اللهم اجعلهم غنيمة المسلمين، اللهم اجعل الدائرة على رءوسهم، اللهم إنهم عاثوا في رقاب إخواننا، وفي أعراض أخواتنا، وفي أموالهم وبيوتهم وأطفالهم فساداً واستباحة وانتهاكاً، اللهم عجل صاعقة الهلاك عليهم، وأوقد أبواب الشر في بيوتهم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.