الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، فإن أجسامكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.
اعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة في الدين ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة في الله: قد يقول قائل: إن الله جل وعلا شرع ألواناً من الحدود ردعاً لكثير من الجرائم، وهيأ ألواناً من العقوبات دفعاً لكثير من المصائب.
فالقتل بالقتل في القصاص.
والرجم والجلد في الزنا.
والجلد في قذف المحصنات، وقذف المؤمنين.
والجلد في شرب الخمور.
وكذلك القتل بأبشع طريقة في جوانب اللواط، وجريمة الشذوذ.
ولكن هناك ألوان من الجرائم تشيطن فيها طائفة من البشر، وتفننوا في الوقوع فيها، حتى لا يقعوا في تطبيق أركان الحدود عليهم، ويلتمس بعضهم في ذلك أن يُفلتوا من الحد إلى العقوبات التي هي دون الحدود.
نقول: اعلموا -أيها الإخوة- أن الله يوم أن شرع القصاص في القتل، وشرع الرجم، والجلد وكثيراً من العقوبات، إن الله جل وعلا شرع باباً عظيماً وبوابة كبيرة في ردع الفساد والمفسدين، ألا هو حد الحرابة، وباب السياسة الشرعية.
أما حد الحرابة فهو الذي يدل عليه قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].
فمن عُرف منه الفسادُ والإفساد في أي لون من ألوان التخريب والتدمير، أو إثارة القلق وزعزعة أمن المجتمع، فإن الله جل وعلا قد شرع لولاة الأمر أن يوقعوا عقوبة تبدأ بغرامة الدينار، ثم إلى الجلد بالسوط، وتنتهي إلى قطع الرقبة، حتى لا يقال: إن مجتمعاً من المجتمعات قتل نفساً لم يرد في القرآن دليل على قتلها، بل إن دليل قتلها وإزهاقها إذا كانت مُفسدة، لفي محكم آيات القرآن الكريم، وأي شيء أبلغ من هذه الآية؟! أن يجعل الله حد الحرابة والقتل وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، لردع الفساد والمفسدين.
كذلك -أيها الأخوة- قد تقطع يد السارق في سرقةٍ من حرز، ولو كانت في مال يسير، فيقول قائل: وما بال من يسرق أموال المؤمنين؟! وما بال من يسرق أموال المسلمين؟! نقول: إن الله جل وعلا قد شرع باباً واسعاً في السياسة الشرعية، لا يقف عند قطع اليد من الكوع، بل قد ينتهي إلى قطع اليد عند الكتف، أو إلى قتل النفس وإزهاقها بالكلية، حفاظاً على المجتمع، وقد قرر الفقهاء فيما مضى أن لولاة الأمر إذا رأوا الفساد منتشراً في مجتمع من المجتمعات أن يقتلوا ثلثي المجتمع إذا ضمنوا صلاح الثلث الباقي.
فيا عباد الله: اعلموا أن المجتمع إذا طُبقت فيه الشريعة، وسادت فيه الحدود والعقوبات الشرعية، فإن الله جل وعلا يحفظ رجاله وأبناءه، وجميع أفراده، أما إذا تساهل الناس أو تساهل ولاة الأمور، أو تساهل الحكام في تطبيق الشريعة، فإن ذلك يفتح باباً من الفساد وزعزعة الأمن والقلق والتخريب بقدر ما تُرك من تطبيق الحدود والعقوبات.
وهذا واضح، والميزان متناسب عكسياً، فمتى قل نصيب الأخذ بتطبيق الشريعة، زاد نصيب المجتمع من الجرائم والاعتداء والإفساد.
فهذا أمر واضح جلي.
نسأل الله جل وعلا أن يديم نعمة تطبيق الحدود، وأن يتمم نعمة تحكيم الشريعة على هذا المجتمع في شتى مجالاته وألوان حياته.