يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
وقول الله أبلغ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] والعياذ بالله، فالشاب كذلك إذا وجد النجم الفلاني هو الذي تصفق له الجماهير، وهو الذي يقدمونه، وهو الذي إلخ، تجده نعم يعجب بهذا المطرب، ويقول: كيف أكون مطرباً؟ ثم بعد ذلك يصدق بعضهم -بعض الشباب يصدق- أنه أصبح فناناً.
وأذكر مرة من المرات -ولا وقت عندي للتلفاز ولله الحمد والمنة فضلاً عما فيه من المغالطات والمخالفات- أذكر أن مطرباً من منطقة ما أجريت معه مقابلة، فقالوا له: الفنان فلان بن فلان ذو الموهبة المتفجرة المعطاءة.
الله أكبر! ما هي الموهبة المتفجرة المعطاءة؟! هل أغنت عن صاروخ باتريوت في رد قذائف الصد؟ هل أغنت عن طائرات أباتشي في قذف الدبابات؟ هل أغنت عن الترنيدو أو ألفا 15 المقاتلة؟ الموهبة المعطاءة ماذا أعطتنا؟ أعطتنا ضياعاً للجيل، وخراباً في الأمة، وتدجيلاً على الناس.
فقيل له: الموهبة المعطاءة، متى بدأت مشوارك الفني؟ سؤال وجيه جداً جداً جداً -جداً تكعيب- فقال وهو يتأوه حسرة والأسى يعصر قلبه قال: لقد كنت بدأت مشواري الفني قبل فلان وفلان وفلان ولكن الحظ ساعدهم ولم يلتفت لي.
مسكين!
أهبت بالحظ لو ناديت مجتمعاً والحظ عني بالجهال في شغل
لعله إن بدا فضلي ونقصهم لعينه نام عنهم أو تنبه لي
لكن هذا كلام يقوله ابن الوردي أو غيره ولا يقوله ذاك.
قلت: والله مسكين يا أخي، حرام تجلس ثلاثين سنة تدقدق وتخرش العود اثنا عشر وتراً ولا أحد يعرفك! والله حرام يا جماعة، أظهروه في الدعاية، اجعلوه قبل البقرات الثلاث، انظر والله مشكلة يا أخي، أظهروه، هذه موهبة حرام ما تطلع في المجتمع، حرام هذا مسكين ما أحد عرفه، قاعد ثلاثين سنة قبل فلان وفلان وفلان ما أحد يعرفه، والله قهر يا ناس! سبحان الله العلي العظيم! هل هي موهبة اختراع؟ هل موهبة سلاح؟ هل هي موهبة فكر؟ هل هي موهبة تعليم؟ هل هي موهبة دين؟ هل هي موهبة دعوة؟ هل هي موهبة عطاء؟ هل هي موهبة قضاء؟ هل هي موهبة طب جراحة وقلب؟ علاج في سكر؟ لا.
موهبة فن، ثلاثون سنة ما أحد يعرفه، ومثل ما يقولون -هناك مثل عند أهل مصر -: قليل البخت يتكعبل في السديرية.
يعني: لو يلبس سدارية يتعثر فيها، قلنا: يمكن هذا حظه كذا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالشاهد: أن اللاهثين الذين نراهم من أسباب ركضهم ولهثهم وراء هذه المتع والشهوات والملذات الضائعة الفانية التي ما تنفع الأمة أنهم يرون المجلات والجرائد والشاشات والموجات كلها لا تلمع إلا فناناً ومطرباً ولاعباً، وقل بل وندر أن تجد في مقابلة أولئك أن يلمع العلماء أو الدعاة، بل إننا لا نحتاج إلى تلميع، فالعالم علمه يلمعه، وأعجب من هذا أن تسمع من الناس من يقول: والله يا أخي هؤلاء المطاوعة مجانين، مجرد ما الشيخ ابن باز يطلع الناس يلحقونه ويحبون رأسه ويحبون يديه ويسلمون عليه، وبمجرد الشيخ ابن عثيمين يطلع الناس يسدون الشارع وراءه مجانين! إذا لحقوا عالماً يبارك الله بعلمه ويستجيب الله دعوته وليسوا مجانين إذا صفقوا وراء لاعب أو مدرب يحملونه فوق أكتافهم! لا إله إلا الله! أين هذه العقلية والموهبة الوثابة التي جعلتك تكتشف أن الناس إذا تبعوا العالم ودعوا له ومشوا في إثره ولحقوا جادته واقتفوا طريقه صاروا مجانين، ويوم أن كانوا يلحقون الممثل والممثلات ما كانوا مجانين؟ لا إله إلا الله! إن الشيطان يفتح على أوليائه صنوفاً وضروباً من الشر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فشريحة اللاهثين من أبنائنا يحتاجون في الحقيقة مع الدعوة واللطف والكلمة الطيبة والهدية المناسبة والأسلوب والمدخل يحتاجون أن يقال: إن من ترك الفن واتجه إلى الجهاد فهو نجم لامع، إن من ترك الضياع وملأ الفراغ بما ينفع فهو النجم الساطع، إن من ترك الغناء واشتغل بحفظ القرآن هو الكوكب الذي لا ينطفئ، إن من ترك مشاهدة الأفلام واشتغل بمطالعة الكتب هو مفكر الأمة، إن من ترك الفساد وسلك الصلاح هو الذي تحتاجه الأمة، حينئذ يشعر الشباب أن لا شيء يئزهم أو يدفعهم إلى الفساد، وإنما يرون أن كل ما حولهم حتى الداعية والإعلام وكل ما يحيط بهم يدفعهم دفعاً إلى مراقي الفلاح ومدارج الصعود، وما يرفعهم إلى كل خير بإذن الله جل وعلا.