مدرسة من المدرسات قبضت ذات يوم على طالبة من الطالبات وهي تتبادل مع زميلاتها أوتوجراف؛ الأوتوجراف: هو دفتر صغير ربما صنع على شكل القلب أو على شكل العود أو على شكل الكمنجة، وفيه ألوان وورود، ويتبادل به الفتيات العناوين، والأسماء، والأكلة المفضلة، واللاعب الممتاز، والمطرب الذي تهواه، والأغاني فجن جنون المدرسة! وجدت الصفحة الأولى: الاسم فلانة، الهواية: أن تكون مضيفة، كيف دخل على عقل فتاة من بناتنا هواية أن تكون مضيفة؟! لأنها ما سمعت يوماً من الأيام انتقاداً للمضيفة التي تختلط بالرجال ولا تستحي أو يعرف عنها أنها سافرة، قليلة الأدب، قليلة الحياء، قد انكسر حجابها وحياؤها وماتت عفتها؛ ولأجل ذلك لو سمعت انتقادات المجتمع والإعلام من حولها والجرائد من حولها تقدح وتذم وظيفة المضيفة لكرهت الفتاة أن تكون مضيفة، ولكنها لما قرأت المقال ورأت صورة المضيفة وشاهدتها تقف تمنت أن تكون مثلها.
والأخرى ماذا تتمنى؟ قالت: أتمنى أن أكون عارضة أزياء! والثالثة ماذا تتمنى؟ قالت: أتمنى أن أكون نجمة سينمائية! بل وبعضهن قالت: أتمنى أن أسافر إلى بانكوك! هذا أمر يا إخوان ليس من ضرب القول وإنما هو من أوتوجراف قبضت عليه مدرسة موجود في يد بعض الطالبات، وإذا كانت المدرسة فيها ألف طالبة فإنا لا نقول: كل طالباتنا خربن، لكن نقول: يوجد شريحة من طالباتنا أو من طلابنا هذا مستوى تفكيرهم؛ والسبب: لا توجد تربية حسنة، ولا توجد مثل أعلى في القدوة الحسنة.
وزيادة عن ذلك رأت وقرأت في الجرائد والمجلات والشاشة، وسمعت في الموجات أن المضيفة هي الملاك الطاهر، هي اليد الحنونة، هي التي تبعث الطمأنينة في نفوس الركاب إذا أقلعت الطائرة وأبحرت سفينة السماء في خضم أمواج الهواء، فإذا أصاب الناس ما أصابهم رأوا مضيفة وادعة كلها الأمن والطمأنينة وهذا ليس بصحيح، بل أول ما يتدافع على الأبواب عند مشاكل الطائرات المضيفات، وأول من يخوف الناس المضيفات، وأول من يروع الناس المضيفات، ولكن ما يقال للناس وكل ما يقرأ الناس ويسمعون أن هذه المضيفة هي الملاك الطاهر هذا شيء آخر، زد على ذلك أنها ذات اللباس الرشيق، والمساحيق المختلفة، والصورة من الألوان المجمعة في عينها وخدها وفمها وشفتيها، ثم بعد ذلك إذا زيد هذا الوصف بثناء ومديح عبر كتابة واحد من الكتاب المأجورين أو المسعورين أو المخدوعين أو الأغبياء أصبحت الفتاة تتمنى أن تكون مضيفة.
إذاً: فتاة تلهث كي تكون مضيفة أو لكي تكون عارضة أزياء أو لتكون نجمة سينمائية لماذا؟ لأنها رأت أن التلميع والسطوع والأضواء والثناء والمديح يكال لهذه حتى تكون مثلاً أعلى فتتمنى كل فتاة أن تكون مثلها.
والله لو أننا أعطينا الأمور حقائقها فنقول: إن المضيفة خادمة في الطائرة، مسئولة هذه المضيفة إذا تقيأ رجل أو تقيأت امرأة وأخرج المتقيئ ما في جوفه من الوسخ مسئولة المضيفة أن تفتح الكيس وأن تقف عند فم المتقيئ، وأن تمد الكيس لفمه فتنتظر حتى يمتلئ الكيس قيئاً، ثم تحزمه، ثم ترميه، ومسئولة المضيفة إذا وجد رجل يعجز أن يوضئ نفسه بعد البراز والبول مسئولة المضيفة أن تمسح برازه وأن تمسح بوله، لو أعطينا المضيفة صفاتها الحقيقية بمعنى خادمة، بل أشد من خادمة لما اشتهت فتاتنا أن تكون مضيفة، لكن قلب العرض بدلاً من أن يقال هذه وظيفتها يقال: لا، الملاك الطاهر القلب الحنون الوديعة؛ فإذا رأت فتاتنا أو بنتنا أو أختنا المضيفة -يعني: قد يقدر لواحدة من بناتنا أن تصعد في الطائرة- ثم ماذا بعد ذلك؟ تجد هذا الملاك الطاهر الذي كتب عنه في الجرائد والمجلات ورأته في كثير من الأفلام وغيرها رأت هذا الملاك الطاهر يقف حتى تسمع صوت المزلاج، ثم ارفع اللسان إلى أعلى، ثم يسقط عليك القناع من تحت -أو القناع يسقط من فوق- ثم يسقط عليك القناع من فوق وهم ينظرون إلى حركات المضيفة فتجد الفتاة معجبة بهذه الفتاة التي كأنها تمثل عرض كراتيه بحركات يدها.
ثم إذا سرقت النظر أختنا أو بنتنا أو بنت مجتمعنا إذا سرقت النظرة إلى المضيفة وجدتها تجلس بجوار المضيف، كتفها على كتفه، فخذها على فخذه، ثم وجدت في يدها سيجارة والمضيف يولع لها السيجارة، ثم يتبادلان هذا الشيء ماذا الذي يحصل؟ تزداد إعجاباً بهذه المضيفة، ويؤجج ذلك شهوة الفساد والانحراف التي وجدت في النفس، ولكن لو قيل: إن هذه المضيفة هكذا صفتها، وهذا دورها، يعني: لو قلنا لفتاة من بناتنا: أعطنا مثالاً لفتاة لا تستحي من الرجال.
قالت طفلة: المضيفة.
نقول: الإجابة صح، ومثال لفتاة لا تستحي وتكسر حياؤها وعفتها بين الرجال، هات مثال.
صلى الله عليه وسلم المضيفة.
صح، طبعاً المحاضرة ليست هجمة على المضيفات وإنما أقول لكم كيف تغسل الأدمغة؟ كيف تسلط الأضواء على عمل قبيح فيكون حسناً؟