قال: [وتحرم إقامته في المسجد]، فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تقام الحدود في المساجد، كما في سنن الترمذي.
قال: [وأشده جلد الزاني]، هذا أشد الحدود، قال الله جل وعلا: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2]، فأشد الحدود هو جلد الزاني، [فالقذف فالشرب فالتعزير]، القذف لأنه ثمانون جلدة، فكان أعلى من الخمر، وأما الخمر فإن هذه الثمانين ليست كلها حداً، بل منها أربعون حداً وأربعون تعزيراً؛ لأن شارب الخمر كان يجلد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أربعين جلدة، فلما كان عهد عمر وأكثر الناس من شرب الخمر جلدهم ثمانين، وسيأتي هذا إن شاء الله في الكلام على شرب الخمر.
قال: [فالتعزير]، إذاً: جلد الزنا أشد، وليس من جهة العدد فحسب، بل ومن جهة الصفة، يعني: يكون الضرب في الزنا أشد، ثم القذف، ثم الشرب، ثم التعزير.
قال: [ويضرب الرجل قائماً]؛ ليأخذ كل عضوٍ نصيبه، يعني: لتأخذ أكثر أعضاء البدن نصيبها.
قال: [بالسوط]، فيضرب بالسوط، ولا يضرب بحديد أو نحو ذلك؛ لأن المقصود تأديبه وزجر الناس عن هذه المعصية، وليس المقصود إتلاف نفسه.
فيضرب بسوطٍ لا جديد ولا خلق، لأن الجديد قد يشق الجلد ويؤذي الأذى الكثير، والخلق قد لا يؤدب، فيكون وسطاً بينهما.
قال: [ويجب اتقاء الوجه، والرأس، والفرج، والمقتل؛ لئلا يؤدي ذلك إلى إتلافه]، ولأن الوجه ينهى عن ضربه وعن تقبيحه، كما جاء في ذلك الأدلة.
قال: [وتضرب المرأة جالسة]؛ لأن هذا أستر لها، فلا تضرب قائمةً.
قال: [وتشد عليها ثيابها]؛ لأن هذا كذلك أستر لها، ولحديث الجهنية في صحيح مسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر فشدت عليها ثيابها.
قال: [ويحرم بعد الحد حبس وإيذاء بكلام]، لا يجوز بعد ذلك حبسه، ولا يجوز بعد ذلك إيذاؤه بالكلام، وذلك لأن الإيذاء بالكلام والتعيير ونحوه نسخ إلى الحد، ولأن حبسه عقوبة زائدة على ما أمر الله به، فإن الله قد أمر بجلده مائة إذا كان زانياً، أو إذا قذف يجلد ثمانين جلدة، فلا يحبس؛ لأن الحبس زيادة على ما جاء به الشرع، لكن إن ارتبط به أمر آخر، فرأى القاضي أن يحبس من أجله، فهذا أمر آخر، لأن هناك ما يقتضي ذلك زائداً عن مجرد المعصية، كأن يرى الناس قد استهانوا بهذا الأمر وكثر عندهم ونحو ذلك، وأما في الأصل فإنه لا يزاد عليه، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله في التعزير.
قال: [والحد كفارة لذلك الذنب]؛ لحديث عبادة المتقدم، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ومن عوقب من ذلك بشيء فهو كفارة له) فالحدود كفارات.
ومن أتى حداً ستر نفسه، فإن الله ستيرٌ يحب الستر، كما جاء في سنن أبي داود وغيره، ولم يسن أن يقر به عند الحاكم، فلا يستحب له أن يذهب إلى القاضي ويقر على نفسه بهذا الذنب، بل المستحب في حقه أن يستر على نفسه، وأن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى.