قال: [وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنسٍ تداخلت]، فلو أنه زنى عشر مرات؛ فإنه يحد مرة، لكن إن زنى فحد، ثم زنى ثانية حد، ثم زنى ثالثة حد وهكذا، لكن لو أنه أتي به وقد زنى مرات كثيرة؛ فإنه لا يحد إلا حداً واحداً، فتتداخل هذه الحدود.
قال: [ومن أجناسٍ فلا]، إذا كانت من أجناسٍ فلا، يعني: إذا كانت الحدود من أجناسٍ مختلفة فلا تداخل، [إلا إذا كان فيها قتل]؛ فإن القتل يأتي على غيره ويحيط بغيره، وعلى ذلك فلو أن رجلاً وهو بكرٌ قد زنى، وسرق، وقذف، فنقول: تقطع يده لسرقته، ويجلد ثمانين جلدة لقذفه، ويجلد أيضاً مائة جلدة لزناه، لكن يفصل بينهما لئلا يضره ذلك.
هذا هو ظاهر الأدلة؛ فإن الله أمر أن نقطع يد السارق وهذا سارق، وأن نجلد القاذف وهذا قاذف، فاجتمعت فيه هذه الأوصاف التي تقتضي أن تتعدد من أجلها الحدود، فهو قاذف وهو سارق وهو زانٍ، فصفة الزنا تقتضي الجلد من البكر، وصفة السرقة تقتضي قطع اليد، وصفة القذف تقتضي أن يجلد ثمانين جلدة.
وأما إن كانت الحدود من جنسٍ واحد كأن يسرق مرات كثيرة، أو يزني مرات كثيرة، فهذا لا يقام عليه الحد إلا مرة واحدة، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فقد أجمعوا على ذلك كما حكى ذلك ابن المنذر وغيره.
وإن كان هذا الذي نريد أن نقيم عليه الحد مريضاً، فننظر إن كان مرضه يرجى برؤه، فالأصح وهو قول الجمهور خلافاً للمذهب أننا ننتظر حتى يبرأ، والحنابلة يرون أنه يقام عليه الحد بقدر ما يحتمل، يعني: يخفف بقدر لا من جهة العدد ولكن من جهة صفة الضرب، والصحيح: أنه يؤخر حتى يبرأ، ولذا فإن علياً رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجلد امرأة كانت قد زنت، فأتاها وهي نفساء، فتركها رضي الله عنه حتى تخرج من نفاسها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أحسنت) والحديث في صحيح مسلم.
وإن كان المريض لا يرجى برؤه كشيخ كبير في السن، أو مصابٍ بمرض كالأمراض المستعصية، ولا يرجى زوال مرضه، فيضرب بما لا يضره، وقد جاء في سنن أبي داود والنسائي: (أن رويجلاً خبث بأمة فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يحد، فقيل له: إنه ضعيف، فأمرهم أن يأخذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ قال: فاضربوه به)، فيأخذون هذا العثكال الذي فيه مائة شمراخ ويضربونه به ضربة واحدة، وفي الحديث: (فاضربوه به ضربة واحدة).
والله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].