واعلم أن دية الخطأ ودية شبه العمد تؤجل ثلاث سنين، ويكون أول قسط من مضي حول على حين الوجوب، ويقسطها القاضي ثلاث سنين على العاقلة كما تقدم، إلا إذا تعذر ذلك فعلى الأصح أنها تكون على الجاني، وتؤجل ثلاث سنين.
ويكون هذا كما تقدم بعد مضي حول من الوجوب، وتجب الدية بالموت، فإذا كان تأريخ الموت مثلاً في واحد محرم، فتجب الدية في واحد محرم من السنة التي بعدها، وإذا كان في الطرف أو الجرح فيكون الوجوب من اندمال الجرح، ويكون هذا هو حين الوجوب، فإذا جرحه في واحد محرم، وصارت الجناية واندمل الجرح في اليوم العاشر فيكون الوجوب هو في اليوم العاشر من محرم، ويكون القسط الأول في اليوم العاشر من محرم من السنة التي بعدها.
وأما إذا لم تسر الجناية فيكون هذا من يوم القطع، أو يوم الجرح، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، يعني: أن تأجيل الدية في الخطأ وشبه العمد يكون ثلاث سنين، وهو مروي عن علي وابن مسعود، وهو مروي عن عمر وعلي كما في سنن البيهقي، وإن كان في كل سند ضعف، لكن العمل على هذا عند أهل العلم.
لكن إن رأى القاضي التعجيل كمنصوص أحمد واختيار شيخ الإسلام فله ذلك، يعني: إذا رأى أن تكون حالة كأن يكون المجني عليه -هذا في الطرف وفي الجرح- فقيراً، أو يكون أولياؤه فقراء -هذا في النفس- ويكون الجاني غنياً، وعاقلته كذلك يكونون أغنياء، فإذا رأى القاضي التعجيل فله ذلك؛ لأن المقصود التخفيف على العاقلة، فإذا كانت مصلحة الأولياء في قتل النفس، أو الجاني في قطع الطرف والجرح في التعجيل، وكان الآخر غنياً فإن القاضي يعجل إذا كانت العاقلة غنية قادرة على تحضير المبلغ، وعدم تأخيره وتأجيله، وكان الطرف الآخر محتاجاً.