قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الديات.
من أتلف إنساناً أو جزءاً منه بمباشرة أو سبب، إن كان عمداً فالدية في ماله، وإن كان غير عمدٍ فعلى عاقلته].
الديات: جمع دية، وهي المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب الجناية، فالمال الذي يؤدى إلى المجني عليه الذي لم يهلك بهذه الجناية، أو المؤدى إلى أوليائه يسمى دية.
قال: [من أتلف إنساناً أو جزءاً منه] كيده، أو رجله، أتلف إنساناً أي: قتله، [أو جزءاً منه بمباشرة]، كأن يضربه بمثقل كحجر كبير، أو أن يطعنه بسكين، فهذه مباشرة، [أو سبب] كأن يحفر بئراً في طريقه، فهذا متسبب، وعلى ذلك فالجاني قد يكون مباشراً، وقد يكون متسبباً.
قال: [إن كان عمداً فالدية في ماله]، فالعاقلة لا تتحمل العمد، وإنما يكون العمد في ماله، فمن قتل عمداً أو جرح عمداً فالدية في ماله؛ لأن هذا هو الأصل، فالأصل أن ضمان المتلَف على المتلِف في ماله، وعلى ذلك فمن قتل عمداً، أو قطع عمداً، أو جرح عمداً فالدية تكون في ماله؛ لأن الأصل في ضمان المتلفات أنها تكون على المتلِف.
وفي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يجني جانٍ إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده)، وقال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، وتجب الدية حالة، يعني: لا تؤجل، هذا كله في العمد.
قال: [وإن كان غير عمدٍ] يعني: كان خطأً أو شبه عمد، [فعلى عاقلته]، يعني: عصبته، ويأتي الكلام في العاقلة إن شاء الله، وتقدم ما يدل على ذلك في قصة المرأتين الهذليتين اللتين اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على العاقلة، إذا كان هذا في شبه العمد وفيه قصد الجناية، لكن فيما لا يقتل غالباً كما تقدم، فأولى من ذلك الخطأ.
إذاً: لا يكون في ماله هو، وإنما يكون في مال عاقلته، ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله، فإن تعذر ذلك ففي بيت المال، ولا يذهب دم المسلم هدراً، بل يكون هذا في بيت المال.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يكون على الجاني، فإذا تعذر الأخذ من العاقلة فإنا نرجع إلى الجاني؛ لأن هذا هو الأصل، فالأصل أن الضمان عليه؛ لأن هذا أثر فعله، لكنه من باب التخفيف وجبت على العاقلة، فإذا تعذر رجعنا إلى الجاني نفسه، وهذا أصح.