إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يتحدث كثير من المسلمين في هذه الأزمنة المتأخرة عن الأزمة التي يمر بها المسلمون في كل مصر وفي كل بلد من البلدان، تارة ينسبون هذه الأزمة إلى الأزمة الاقتصادية، وتارة يقولون: أزمة سياسية، وتارة يقولون: هي نقص في القوى المادية، وتارة يقولون: هو عجز في الجانب الاجتماعي، وكل هذه -ولا شك- أزمات مفتعلة افتعلها المفتعلون -قاتلهم الله- ليشغلوا المسلمين بهذه الأزمات المكذوبة المفتراة.
والحقيقة لو نظرنا إلى هذه الأزمات المفتراة على فرض صحتها ووجودها لحلها بعض السنة، فلو نظرنا مثلاً إلى أزمة المواصلات لوجدنا أنه يحلها حديث واحد، بل شطر حديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له).
فهذا الشطر من الحديث لو أخذنا به لما وجدنا مطلقاً هذه الدعوى.
والشطر الثاني من الحديث قال: (ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) أي: فضل طعام وفضل شراب وغير ذلك، فلو أن رجلاً عنده ما يكفيه ويكفي أولاده، ويزيد فيتصدق بهذه الزيادة على من لم يكن له طعام ولا شراب لما وجدت أبداً فقيراً واحداً في المجتمع المسلم، وخاصة لو كان هذا التصدق أو هذا البر موجوداً على مستوى كبير، كإخراج الزكوات مثلاً، أو إخراج الخمس من البترول وغير ذلك.
إن الأموال التي تستثمر في بلاد الكفر والضلال لو استثمرت في بلاد المسلمين لما وجدت فقيراً واحداً ولا عاطلاً واحداً، فكلها أزمات مفتعلة، والأمراض الكثيرة التي انتشرت إنما هي بسبب تخلفنا عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية، فحديث واحد يعالج أمراضاً كثيرة جداً من الأمراض التي تنقلها إلينا المياه، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)، (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل فيه)، فلا يؤخذ من هذا الحديث النهي عن البول فقط من الناحية الصحية في الماء الدائم، وكذلك النهي عن الاغتسال، وإنما يستفاد من هذا الحديث فوائد جمة عظيمة، منها: النهي عن التبول أو إلقاء الفضلات سواء كانت من براز وبول وبترول وغير ذلك في المياه؛ لأن هذه المياه لها منفعة عظيمة ولا يحيا الإنسان إلا بها، فتلويث المياه ينتج عنه أمراض كثيرة جداً منتشرة، ولو أننا حافظنا على المياه وحافظنا على البيئة لما وجدت هذه الأمراض، لكن بأيدينا لوثنا البيئة، وقد أمر الشرع بالحفاظ على البيئة وغيرها.
فكلها أزمات مفتعلة نحن الذين افتعلناها، أو غيرنا افتعلها لنا لننشغل بها.
نقول: إن الأزمة أزمة إيمانية، أزمة عقدية وعقدية، ضعف في الإيمان أو انعدام تصحيح المسار.
إن الخروج من جميع الأزمات المفتعلة أو الموجودة لا يكون إلا بالرجوع إلى العقيدة الصحيحة وإلى الإيمان الصادق المتين، فهم يتكلمون كثيراً ويفتعلون أفاعيل كثيرة، ولا يتكلمون مطلقاً عن الإيمان بالله وتمتين الصلة والثقة به، وحسن الاعتماد والتوكل عليه، كل ذلك لا أحد يتكلم عنه، إنما هي نية خبيثة وشر أريد بنا فلننتبه إليه جميعاً.