لو نظرنا إلى المجتمع الأول مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من القرون الخيرية الثلاثة لوجدنا الفرق شاسعاً، فانظر إلى حالنا نحن الآن وانظر إلى السابقين في القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث، انظر وقارن بين معتقداتهم، ومعتقداتنا، وبين إيمانهم وإيماننا، وبين حسن اتباعهم للنبي عليه الصلاة والسلام واتباعنا، وبين إيمانهم بالقدر وبجميع المسائل الإيمانية وتصحيح عقائدهم على الكتاب والسنة وبين إيماننا نحن، لقد تفرغنا من كل هذا، وبناءً عليه نفذ فينا الوعد الحق أننا لا يمكن أن ننتصر أبداً، ولا يمكن أن ننهض إلا بالرجوع إلى ما كان عليه أصحاب القرون الثلاثة الأولى، فإن حاجة القرون كلها السالفة والمتأخرة حاجة واحدة، فكل عصر ومصر يحتاج إلى قوة مادية وعسكرية وسياسية واجتماعية وغير ذلك من القوى، كل ذلك كان موجوداً أو غير موجود، وهو الآن موجود أو غير موجود، فالأيام والظروف لم تختلف، فحاجة الصحابة إلى المال مثل حاجتنا تماماً إلى المال، فهل فعلاً ما نحن فيه من تأخر هو بسبب المال؟ فإنني أعتقد اعتقاداً جازماً لا يتزعزع أن الأزمة المادية هذه أزمة مفتراة، فالصحابة رضي الله عنهم -وهم الذين نشر الله تعالى بهم الدين في ربوع الأرض وفتح بهم قلوب العباد والبلاد- كانوا أفقر الناس، ومع هذا كان الفتح على أيديهم ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وما فتحوه قد ضاع، ولا نستطيع نحن الآن على كثرة أموالنا وعددنا أن نرده.
إذاً: الأزمة ليست أزمة مادية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربط الحجارة على بطنه من شدة الجوع، وكان أبو هريرة يقول: كنت أعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، يعني: أميل على الأرض بجنبي الذي فيه الكبد من الجوع، لعله يهون عليه أمر الجوع بهذا الاتكاء وهذا الاستناد، وكثير من الصحابة كان يبيت بلا طعام ولا شراب، وانظر إلى المرأة التي أوقدت سراجها ثم أطفأته حتى يأكل الضيف، فلما أصبح الصباح ذهب زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد عجب الله من صنيعكما هذه الليلة)، أو قال: (لقد ضحك الله من صنيعكما هذه الليلة).
أمثلة كثيرة جداً من حياة السلف، كانوا فقراء أشد الفقر، بل كانوا يذهبون في غزوة أو سرية، وليس معهم إلا بعض التميرات، فكان الواحد منهم يأخذ التمرة ويحكها في أسنانه، ويشرب عليها الماء، هذا طعامه، ولقد رأينا في هذا الزمان أن بعض المجاهدين في أفغانستان كانوا يطبخون الذرة الصفراء ثم يأكلونها، والذي يجاهد اليوم يأكل الذرة، والذي لا يجاهد ولا يكون في خدمة المجاهدين يشرب الماء، كان هذا طعامهم.
إذاً: الأزمة التي افتعلوها وقالوا: إنها أزمة ليست أزمة مادية، وإن كانت أزمة مادية فائتونا بالأموال التي نهبتموها من أموال المسلمين، والتي وضعتموها في بلاد الكفر، ونحن نسلم إن شاء الله من هذه الأزمة على فرض وقوعها وصحتها.