الحمد لله المتفرد بوحدانية الأولهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.
وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع به الإيمان على سائر الأديان، فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وسلم تسليماً.
أما بعد عباد الله: فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمر محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
نبين -عباد الله- في هذه الخطبة عقيدة من عقائد المسلمين التي دل عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهذه العقيدة هي أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
كما قال الطحاوي: إن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالأمر المرضي، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده تعتبر هوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء.
فيجب على كل مسلم أن يعتقد بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل دعوى للنبوة بعده صلى الله عليه وسلم فغي وهوى، فهذه عقيدة ختم النبوة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، فقال: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ) ما قال: وخاتم المرسلين؛ لأنه قد يكون آخر رسول ولكن قد يكون بعده أنبياء، فقال: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وفي قراءة: ((وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ)) أي: ختم الله عز وجل به النبوة، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا نبي بعده، كما صرحت بذلك الأحاديث الكثيرة المتواترة التي ذكر بعض الباحثين في ذلك خمسة وستين حديثاً، ولكن نقتصر على بعض هذه الأحاديث التي تدل على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من تشريفاته ومن تكريم الله عز وجل له أن الله عز وجل ختم به النبوة، فلا نبي بعده صلى الله عليه وآله وسلم، منها: (لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك استخلف علياً رضي الله عنه على المدينة، فحزن علي رضي الله عنه وقال: أتخلفني مع النساء والصبيان؟) فـ علي رضي الله عنه فارس من فرسان الإسلام وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام يحزن أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (أتخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى).
وحتى لا يقول أحد: بأنه أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يثبت له شيئاً من النبوة، أو يعتقد خلاف ما يعتقده أهل السنة والجماعة، سد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب، فقال: (إلا أنه لا نبي بعدي)، فإن هارون كان نبياً مع موسى، فإذا استخلفه موسى فهو نبي معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة في زاوية، فجعل الناس يطوفون ويقولون: ما أحسنه وأجمله لولا هذه اللبنة) أي: لولا وضعت هذه اللبنة، فقال: (فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
كذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له) فهذا الذي بقي من النبوة، والرؤية الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وكان الوحي بالرؤية الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية فترة الرسالة ستة أشهر، ومدة البعثة ثلاثة وعشرون سنة.
كذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يبعث بعدي دجالون كذابون قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه نبي)، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم ح