فأول جانب من جوانب الشكر: خضوعك للمشكور، بأن يكون عندك خضوع لله، قال سيدنا داود: يا رب! كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستوجب الشكر؟ وهذا من أدب النبوة! فإنه يقول: يا رب! كيف أشكرك والشكر نفسه نعمة رزقتني إياه، فيجب أن أشكرك عليه؟ قال: يا داود! الآن شكرتني.
وقال داود أيضاً: الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، فأخذت الملائكة تقلب في دفتر الحسنات فلم يجدوا مثل هذه الكلمات فيه، فقالوا: يا ربنا! لقد قال عبدك داود كلمة لم نجد له ثواباً، يعني: على هذه الصيغة، فالذي يقول: سبحان الله يعطى عشر حسنات، والذي يقرأ حرفاً من القرآن يعطى له قدراً من الحسنات، والذي يصلي ركعتين كذلك يعطى له قدراً محدوداً من الحسنات، فمعروف الحد الأدني والحد الأقصى عند الله عز وجل، فقال الله عز وجل لملائكته: (اكتبوها كما هي وأنا أجازي عبدي داود عليها يوم القيامة).
صلى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالناس وجلس في المسجد حتى طلعت الشمس، ثم صلى ركعتي الضحى، ثم دخل بيته فوجد السيدة جويرية رضي الله عنها قد عملت كوماً من النوى وتسبح الله وتحمده، فتقول مثلاً: سبحان الله وتنقله من ناحية إلى الناحية الأخرى، ثم تقول: الحمد لله وتنقله من الناحية الأخرى إلى الناحية الأولى، وهكذا عندما تكبر وتهلل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا تصنعين؟ قالت: أسبح وأحمد وأكبر وأهلل يا رسول الله! قال: أما أنا فقد قلت كلمة تعدل ما قلت، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).
فعدد خلقه لا يحصيهم إلا الله، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]، والله تعالى يرضى عن العباد وليس لرضاه منتهى، ولا يعلم زنة العرش إلا الله، وكذلك مداد كلماته.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27]، فعليكم بالجوامع الكوامل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان للرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة، وسيدنا معاذ بن جبل كان أستاذ الحفظ خلف رسول الله، لذلك فإن سيدنا معاذ يحمل راية العلماء يوم القيامة، فسيدنا بلال كانت حفيظته على قدر حاله، وكان لا يحفظ، فقال: يا رسول الله! أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل، فسمى الذكر: دندنة، وأهل زماننا يسمونه نكد، فيقولون: الجماعة الهبل يعملون درساً بعد صلاة الفجر! وهل هناك أحد يعمل درساً في الفجر؟!! فابتداء اليوم عندهم من الساعة العاشرة! وهذا نوم غير شرعي، إنما اليوم يبتدأ من صلاة الفجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بورك لأمتي في بكورها).
قال علماء الطبيعة: هناك أشعة اسمها الأشعة الكونية إذا تعرض الجسد لها وقي من سبعة وثلاثين نوعاً من أنواع المرض، وأن وقتها قبل وأثناء وبعد أذان الفجر.
فالعلماء لا يعرفون تركيب هذه الأشعة الكونية إلى هذا اليوم، وهي تقي من سبعة وثلاثين نوعاً من أنواع المرض، وتعطي مناعة للجسد، وهذا الفضل لا يكون إلا للمواظب على صلاة الفجر.
والعسكري المسكين الذي يقف في الدرك أو الضابط الذي في القسم أو الرجل الذي في المطار في برج المراقبة إذا صبح الصبح وجدت وجهه أصفر، أما الذي يصلي الفجر ويمكن أنه نام ساعة أو ساعتين فترى وجهه منيراً، مع أن هذا سهران وهذا سهران، وهناك من سيقول: يا أستاذ! العمل عبادة، وأنا لا أتكلم من هذه الناحية بتاتاً، ولا أقول لك: لا تعمل، لكن أقول لك: انظر إلى الفرق بين من يعبد الله ومن يغفل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ بلال: (فماذا تقول يا بلال؟ قال أقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، فقال: يا بلال! إنما حولهما ندندن) فلم يقل له: تريد أن تعمل رأسك برأس معاذ بن جبل الذي جالس يحفظ، أو أنت غير فالح، أو لا تنفع، وإنما قال: (إنما حولهما ندندن) ثم في اليوم التالي مباشرة حتى يزيل من قلب بلال الحزن الذي أصابه من عدم القدرة على الحفظ قال له: (يا بلال ماذا تصنع فإني ما دخلت الجنة إلا وسمعت دبيب نعليك أمامي؟) فيعطي له تصريحاً أخضر، وكرت دخول.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى في النوم أنه يدخل الجنة ويرى فيها ما يرى، فقال له: (ما دخلت الجنة مرة إلا وسمعت دبيب نعليك، فماذا تعمل؟ قال: ما توضأت وضوءاً من ليل أو نهار إلا وصليت ركعتين، وما أذنبت ذنباً إلا وأعقبته باستغفار) يعني: أنه كان يخلص حسابه أول بأول.
وأنت أيضاً قم بتخليص حسابك أول بأول، ولا تؤخر التوبة إلى سن أربعين سنة ثم تقول: هل لي توبة؟ نعم لك توبة، فالتوبة مفتوحة وهل نحن معنا المفاتيح حتى نعقدها على الناس؟ والمرأة في البيت عندما تطبخ الطبيخ وتترك الطبق لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الحوض بدون تنظيف فإنه ييبس ولا يتنظف، لكن إذا غسلته مباشرة بعد الأكل يكون سهلاً، وهكذا الذنب في القلب، فعندما تمسحه مباشرة ينتهي بسهولة، فإذا تراكم كان من الصعب إزالته؛ لأنه قد تعود على الذنب.
فموضوع الشكر موضوع قائم عليه الدين كله، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] أي: ليس كل أحد يشكر الله.
فالخضوع للمشكور أول جانب من جوانب الشكر.