الشكر له جوانب وهي: حب المشكور، والثناء عليه، والخضوع له، وعدم استعمال نعمه فيما يغضبه.
أول جانب من جوانب الشكر: أن تخضع لصاحب النعمة.
فقد أنعم الله علينا بصغير الأمر وكبيره، وأعطانا مثلاً: الصحة، فإن هناك أناساً آخرين ليس عندهم صحة، قال الشاعر: لا تعجبين من سقمي صحتي هي العجب يعني: من كثر البلاء الذي رآه في جسده قال: لا تستغربين من المرض الذي عندي ولكن استغربي من الصحة المتبقية لدي.
فالإنسان منا عندما يُنعم عليه بالصحة يراها نعمة لا يتساوى فيها كل الناس، فليس كل إنسان عنده صحة، وليس كل إنسان ظهره سليم ويستطيع أن يقف في المسجد نصف ساعة، هناك أناس يبكون بكاءً مراً في الهاتف ويقولون: نتمنى أن نصلي معكم مثل زمان، لكن لا نستطيع أن نمشي ولا أن نأتي إليكم، ادعوا لنا، الهم اشفهم واشف كل مريض.
فأنت في نعمة الصحة يجب أن تحمد الله عليها، وهذه نعمة أنت متفرد فيها، ولا تظن أن جميع الناس أصحاء، فلو كشفت الغطاء أو حللت بعض التحاليل لجميع الناس لوجدت في الألف رجلاً واحداً صحيحاً والباقي مرضى، والرجل المسكين الذي كان يحكي عنه الشيخ كشك ربنا يبارك فيه، عندما ذهب ليمتحن فصعبوا له الامتحان حتى لا يتم تعيينه، لأنهم لا يريدون تعيينه.
فقال الرجل: هم يتعذرون بأن البول فيه شيء ما، فأخذ قليلاً من ماء الحنفية وأعطاها لصاحب المعمل، وهم في نيتهم ألا يعينوه، فقال صاحب المعمل: البول فيه سكر وبلهارسيا وغير ذلك، فقال له: اذهبوا فاشتكوا أصحاب الصرف الصحي هؤلاء، ولا تشتكوني أنا.
وعندما تذهب لعمل رسم القلب وأشعة مقطعية وغير مقطعية فإنك تسمع صوت الدم وهو يندفع بين حجرات القلب مثل شلالات نياجرا، فهو صوت رهيب، وحركة القلب رهيبة.
وامرأتك عندما تحمل وتقول للطبيب أو الطبيبة: هل الجنين ولد أم بنت؟ فإنك تسمع الولد يتنفس بالدقة ويتهيأ لك أنه يتنفس وهو لا يتنفس، بل هو صوت الجنين وهو في بطن أمه.
ولو ظهرت أصوات حركة الدم داخل جسمك وصارت جلية لما طابت لنا الحياة لحظة، لكن كل شيء مكتوم، فنعمة الصحة نحن متفردون فيها، ثم إنها نعمة من المنعم سبحانه.
والحمد لله أن الصحة لا توزعها وزارة الصحة، ولو أن الصحة كانت توزع من قبل الوزارة بالبطاقة لخسرنا الكثير من الصحة، والحمد لله على نعمة هذا الهواء وأنه لا توجد وزارة للهواء.
فالنعم التي جعل الله قيام الحياة بها لم يجعل لأحد فيها يداً أو سبيلاً، فلم يجعل حنفية الهواء عند أحد، وإلا لو جعلها عند أحد لاغتاظ منك ولقفل عليك حنفية الهواء، فمن رحمة الله علينا أن النعم التي لا نحيا إلا بها أنها بيد المنعم سبحانه وتعالى.
فلا تستخدم نعمة الصحة فيما يغضب الله، فربنا أنعم علينا بالرئتين فلا ندخل إليه الدخان، فإن الدخان فيه إهدار لنعمة الله، وأعطانا نعمة المال فلا نهدره في شراء الدخان، وأعطانا نعمة الصحة فلا نهدرها بشرب الدخان، فإن هذا ليس بشكر.