الفائدة الثالثة: هذه المقاطعة ستؤدي إلى استخدام البدائل الوطنية مما سيؤدي إلى انتعاشها وبذلك يتقوى اقتصاد الأمة على ممتلكاتها وليس على ممتلكات الغير، وهذه قضية محورية، وأمر مصيري، وليست قضية جانبية، والأمة التي لا تملك احتياجاتها لا تملك قرارها، فالقضية ليست خسارة للشركات اليهودية والأمريكية فحسب بل هي بناء أمة وحياتها، ما الفارق مثلاً بين أمة الإسلام وأمة الصين أو اليابان؟ هم لا يملكون مناهج أفضل من مناهجنا، ولا أناساً أفضل من أناسنا، والعقل الإسلامي يتفوق كثيراً على عقولهم إذا توافقت الظروف، فلماذا لا نخلق الظروف التي تمكن أمتنا من التفوق؟ إن بداية الصين واليابان كدول صناعية لم تكن بعيدة عن بدايتنا، بدأت الصناعات الصغيرة المحلية وقلل من الاستيراد، وبدأ الشعب في بادئ أمره على منتجات أقل جودة من المنتجات الغربية، ثم مرت الأيام وتحسن الإنتاج ثم تفوق، فالسيارات اليابانية منذ ثلاثين سنة مثلاً كانت لا تسوق إلا في بلاد العالم الثالث، أما الآن فهي السيارة رقم واحد في أمريكا.
والمستهلك يبحث عن الجودة المناسبة والسعر المناسب، ولا شك أن المنتجات المستوردة كثيراً ما تكون أكثر جودة وأقل سعراً، أما حسن الجودة فللتقنية العالية ولدقة النظام ولضخامة المصانع وللكفاءة المهارية، ولكن كيف يأتي المنتج من آخر بلاد الدنيا إلى بلادنا ثم هو أرخص من منتجنا المصنع في بلادنا؟ زوجتي اشترت منبهاً صغيراً (ساعة صغيرة) من إنتاج الصين بثلاث جنيهات فقط، فكم سيكسب المورد للخامات، والعامل في المصنع، وصاحب المصنع والمصدر والناقل بسفينته والمستورد وبائع الجملة والقطاعي ثم البائع الجوال؟ ثم اكتشفنا بعد ذلك أن ثمنه اثنين جنيه فقط، فلماذا هذا السعر المنخفض؟ والواقع أنه لعوامل عديدة منها: رخص الأيدي العاملة، ولا أعتقد أن الأيدي العاملة في بلادنا مكلفة، ومنها أنهم يكسبون قليلاً ليبيعوا أكثر، وهو مبدأ تجاري معروف ويستخدم أيضاً في بلادنا، ومنها أن الإنتاج بكميات كبيرة جداً يغطي التكاليف والأرباح، وهذا ما لا يستطيع منتجنا أن يفعله؛ خشية كساد السلعة، وهنا يبرز دور المقاطعة فلو قاطعنا المنتجات المستوردة فإن هذا سيشجع المصنع المحلي على مضاعفة الإنتاج وبالتالي تخفيض السعر إلى أدناه، أما وهو يعلم أنه لن يبيع إلا وحدات محدودة فإنه قد يوفر في التكاليف على حساب الجودة، ويصبح الأمر دائرة مغلقة لا نخرج منها أبداً.
وليست النتيجة المباشرة للمقاطعة هو إصلاح الاقتصاد الإسلامي وتغير الحال فحسب، بل هناك نتيجة هامة جداً وهي تحول الهزيمة النفسية إلى انتصار، حيث إن كثيراً من المسلمين لا يعتقدون في إمكانية إنتاج منتج محلي ينافس المنتج الغربي.
أذكر أن صديقاً مصرياً كان معي في أمريكا، ذهب ليشتري قميصاً من إحدى المحلات الفخمة هناك، وانتقى قميصاً أعجبه، ولما عاد إلى المنزل اكتشف أن القميص منتج مصري، فاتصل بي بسرعة وهو حزين جداً فهو يشعر أنه قد ضحك عليه، أما أنا فسعيد لأن المنتج المصري ينافس الأمريكي والغربي في أمريكا ذاتها، وعلى قدر هذه السعادة على قدر حزني من الهزيمة النفسية القاسية التي يعاني منها صاحبي.
نحن نحتاج إلى ثقة بالله، وثقة بالنفس، وثقة بالوطن، وثقة بأهلنا وعمّالنا، وثقة في المنتج.
نقطة أخرى هامة: إنه ليس معنى ذلك أن المنتج المحلي سيكون سريعاً على قدم المساواة مع المنتج الغربي وفي كل التخصصات أبداً، لا بد أن يعرف المستهلكون المسلمون أنهم إذا أردوا أمة قوية اقتصادياً وسياسياً فلا بد أن يصبروا في البداية، وأن يقبلوا بما أضعف نسبياً إلى أن يتحسن، فلابد من تضحية، وستكون تضحية مأجورة إن شاء الله.
فالمستثمرون وأصحاب الشركات والمصانع المحلية على ثغرة عظيمة فليراقبوا الله في أعمالهم، يرتفع أجرهم في الآخرة ويكثر ربحهم في الدنيا.
وأتمنى أن يتجه أصحاب رءوس المال ولو كان صغيراً إلى إنتاج ما يفيد الأمة، فبدل إنتاج اللبان والشبس والمصاصة أشكال وألوان ننتج مستلزمات للمستشفيات، والآلات الزراعية والسماد، والإلكترونيات، والورق، وبدل من أن نزرع الفراولة والمانجو وأشياء كثيرة من الفواكه نزرع رز وذرة وبطاطس وقطن وكتان، وبدلاً من أن نشارك في البورصة في شركات تنتج أفلام ومسلسلات، وخمور، أو بنوك ربوية، نشغل أموالنا في شركات بترول وشركات حديد، وشركات أسمنت، وشركات أدوية، وشركات دقيق، وبدلاً من أن نعمل مشروع قهوة أو كفتيريا أو صالة بلياردو نعمل مشروع استصلاح أراضي، أو مزرعة سمكية، أو مدرسة متميزة جادة تعلم الأجيال، وبدلاً من أن نستورد من إسرائيل أو أمريكا، أو نحرص على أخذ توكيل أمريكاني، نستورد من ماليزيا أو إندونيسيا أو تركيا أو سوريا أو مصر أو الجزائر وسنجد الذي نريده، المهم أن نبحث في بلاد المسلمين.
وأتمنى للمستثمرين وأصحاب الشركات المحلية، الذين يقفون على ثغرة عظيمة، أن يهتموا بإتقان العمل وجودة الصناعة حتى لا يفتتن المسلمون فيتجهون للشرق والغرب، وأتمنى أن يخفضوا من السعر قدر المستطاع وس