النقطة العاشرة والأخيرة في هذه الوجبات: الأضحية، من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وتجعلك تعيش تماماً في جو الحج والهدي والذبح، ويكفي أن أذكر لكم حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول: رواه ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله تعالى من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً)، فاقعد وراجع هذه الحديث، وانظر إلى أي حد هذا الخير والفضل والتسجيل الرائع لحسناتك في يوم العيد، وأنت تقلد الحجاج بذبح أضحيتك وأنت في بلدك.
الحديث الثاني: روى ابن ماجة أيضاً عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (قال أصحاب رسول الله: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟) يسألون عن أضحيات يوم العيد، قال: (سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟!) ما هو الأجر؟ ما هو الفضل؟ ما هو الثواب؟ قال: (بكل شعرة حسنة، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟! قال: بكل عشرة من الصوف حسنة)، وسأتركك تعد الشعر الذي في فروة الخروف، لكي تعرف قدر الثواب الذي ستلقاه إن كنت قادراً على الذبح.
كان هذا هو الواجب العاشر في هذه الأيام المباركة، فتلك عشرة كاملة.
إذاً: نراجعهم جميعاً بسرعة، ونعمل لها ورد محاسبة، ونحاول تطبيقها بإذن الله، اعمل جدولاً كذا عشرة في عشرة، وحاول أن تأخذ الدرجة النهائية في هذه الأيام العظيمة عشرة واجبات في عشر أيام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا: أولاً: صيام التسع الأوائل من ذي الحجة، وبالذات يوم عرفة.
ثانياً: صلاة الجماعة في المسجد للرجال، وبالذات صلاة الفجر، والصلاة على أول وقتها للنساء.
ثالثاً: الإكثار من صلاة النافلة قدر المستطاع، كقيام الليل والنوافل القبلية والبعدية، وصلاة الضحى، وغير ذلك.
رابعاً: الذكر بكل أنواعه، وبالذات التهليل والتكبير والتحميد والاستغفار.
خامساً: الدعاء بكل خير، سواء من خير الدنيا أو الآخرة.
سادساً: قراءة القرآن ومحاولة ختمة مرة في هذه الأيام التسع من أوائل ذي الحجة.
سابعاً: زيادة أواصر الوحدة الإسلامية عن طريق بر الوالدين، وصلة الرحم، والزيارة في الله، وإصلاح ذات البين.
ثامناً: الصدقة والإنفاق في سبيل الله على الفقراء، ولا تنسوا إخوانكم في فلسطين والعراق وغيرهما.
تاسعاً: التقشف وعدم الأخذ من الشعر أو الأظافر إن كنت ستذبح في العيد.
عاشراً والأخيرة: الذبح، ولك بكل شعرة حسنة إن شاء الله، هذا إن كنت قادراً على الذبح في العيد.
أعتقد بهذه الطريقة تستطيع أن تجد بديلاً مناسباً لأعمال الخير التي يمارسها الحجاج إن لم يكتب الله لك حجاً، لم أقترح أنا هذه الأمور، بل علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ليثبت لنا فعلاً أن الحج ليس للحجاج فقط، بل ينعكس أثره على كامل الأمة الإسلامية.
وكلمة أخيرة إلى المخلصين من أبناء هذه الأمة، والذين لم يكتب لهم حج بعد: لا تحزن.
فقد جعل الله عز وجل لك عوضاً من ذلك، لا تحزن إن لم تكن مستطيعاً، فالله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا تحزن فقد يكتب الله عز وجل لك أجر الحجاج وزيادة بنيتك الصادقة وشوقك الحقيقي ولهفتك غير المصطنعة.
لكن إلى أن يكتب الله عز وجل لك حجاً لا تضيع وقتاً قد فتح الله عز وجل لك فيه أبواب الخير على مصراعيها: صيام، صلاة، ذكر، دعاء، قرآن، صدقة، أعمال الخير لا تنتهي، وأبواب الجنة لا تغلق في وجه طالبيها أبداً.
إخواني في الله! وأخواتي في الله! ليقم كل منا جبلاً لعرفات في قلبه، ويدعو الله عز وجل بما شاء وقت ما شاء، ليرجم كل منا الشيطان في كل لحظة من لحظات حياته، ليتخفف كل منا من دنياه، فما بقي من الدنيا أقل بكثير مما ذهب، ليصلح كل منا ذات بينه وليغفر لإخوانه، وليحب الخير لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
نسال الله عز وجل حجاً مبروراً لكل من كتب له حج، وعملاً صالحاً موفقاً متقبلاً لكل من يوفق لحج، ونسأله سبحانه وتعالى العزة والتمكين والرفعة لهذا الدين.
كما نسأله الجنة لنا ولكم ولسائر المسلمين، آمين آمين.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
جزاكم الله خيراً كثيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.