مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} وهذا الإعراض عن تدبر آيات الله وبدائع صنعه إنما جاءنا من إعراضنا عن تدبر القرآن جملة الذي أنكره القرآن علينا بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} فكأن الله أنزل القرآن لنعرض عنه هذا الإعراض أو لنستعمله في أتفه الأغراض، فإعراضنا عن تدبر القرآن حرمنا كل خير يوجه إليه القرآن، فلنتدبر القرآن ولاسيما في هذا الشهر شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن لنصل إلى كل خير يدعو إليه القرآن.
للإنسان طبيعتان بارزتان هما باعثه في كل مما يأني يما ياع وهما: الخوف والطمع أو الرغبة والرهبة فلا يفعل شيئا من المعروف أو يتركه ولا يقول شيئا من المنكر أو يدعه إلا مدفوعا بهاتين الطبيعتين ومسوقا بهذين العاملين وإن الله الذي يعلم طبائع خلقه وما فطرهم عليه من غرائز وميول قد علم مبلغ تأثير الرغبة والرهبة في الإنسان فرغبه ورهبه وجعل صلاحه متوقفا على هاتين الطبيعتين فيه: الرغبة والرهبة، أو الطمع والخوف لذلك أثني على الراغبين الراهبين الخائفين الطامعين فيه فقال: {يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} الآية ... ولذلك نجد القسم الكبير من القرآن تدور آياته على الترغيب والترهيب فآية ترهب من النار كقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} وآية ترغب في الجنة كقوله بعد: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وهكذا جعلنا الله في سيرنا إلى الكمال مدفوعين بعاملين من الرغبة والرهبة رحمة منه بنا حتى لا نتخلف في سيرنا عن ركب السائرين إلى الكمال بحيث إذا لم يحركنا عامل الطمع حركنا عامل الخوف.
فليست الجنه في الحقيقة مقصودة بالذات والنار كذلك، وإنما العمل الذي يثمر دخول الجنة والنجاة من النار هو المقصود بالذات، إنما الجنة كالجائزة على السبق في الرهان أو الفوز في الامتحان والنار إنما هي كالسوط لهذا المخلوق الحرون يسوقه إلى سعادته ولذا ورد: "إن الله خلق النار سوطا يسوق به عباده إلى الجنه".