بمناسبة شهر رمضان رأينا أن ندعوك- أيها المسلم- إلى مائدة القرآن لتتناول منها هذه الألوان من الهدى والفرقان فلا يكفي- في رمضان أن تجلس إلى مائدة الطعام ولا تقبل على مائدة القرآن.
من مبادئ القرآن العظيمة النافعة توجيهه إلى النظر في هذا الكون وإلى التفكر في ملكوت السموات والأرض وفائدة ذلك أن نعرف ما في هذا الكون من صنع بديع وما في ملكوت السموات والأرض من نظام عجيب فنزيد إيمانا بالله واعتمادا عليه والتجاء إليه ونخلص من ذلك إلى استغلال ما أوده الله في ضمير هذا الوجود من كنوز وما طوى عليه أحشاءه من أسرار، فالمعرفة هي باب هذه الكنوز والأسرار، والنظر أو التفكر هو مفتاح هذا الباب فإذا لم نفكر لم نعرف وإذا لم نعرف لم نصل إلى هذه الكنوز والأسرار فنبقى بمعزل عن هذا الكون ونحن نعيش فيه فلا عجب إذن أن يكون أول ما نزل من القرآن الأمر بالقراءة وأن يكون أكثر من ثلث القرآن نزل في التنبيه على النظر أو التفكر- مفتاح هذا الباب- من مثل قوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} ولكننا- رغم هذا- لم ننتفع بهذا المبدأ شأننا مع مبادئ القرآن الأخرى بل أعرضنا عن النظر في آيات الله والتدبر في بدائع الكون فلم ننتفع بما وهبنا الله من عقل وقد نعى القرآن نفسه علينا هذا الإعراض إذ قال: {وَكَأَيِّنْ