فهو يداركها بالتوبة ورجل يسارع في الخيرات" وقال: "استح من الله بقدر قربه منك وخلفه بقدر قدرته عليك، وأطعه يقدر حاجتك إليه واعصه بقدر صبرك على النار واعمل للدنيا بقدر إقامتك بها واعمل للآخرة بقدر بقائك فيها" وقال أبو عبيدة رضي الله عنه: "ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه" ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين". وقال حاتم الأصم: "فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وجده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا" وسمع بشر الحافي أو الشبلي قارئا يقرأ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} فصرخ وقال: "فأين الذين يريدون وجه الله تعالى".
ودخل عمرو بن عبيد على المنصور فقال: "يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل يقفك ويسائلك عن مثقال ذرة من الخير والشر وإن الأمة خصماؤك يوم القيامة وإن الله عز وجل لا يرضى منك إلا بما ترضاه لنفسك ألا وإنك لا ترضى لنفسك إلا بأن يعدل عليك إن الله عز وجل لا يرضى منك إلا بأن تعدل في الرعية، يا أمير المؤمنين إن وراء بابك نيرانا تتأجج من الجور والله لا يحكم وراء بابك بكتاب الله ولا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم " فبكى المنصور فقال سليمان بن مجالد وهو واقف على رأس المنصور: يا عمرو قد شققت على أمير المؤمنين، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين من هذا؟ قال: أخوك سليمان بن مجالد قال عمرو: ويلك يا سليمان إن أمير المؤمنين يموت وإن كل ما تراه يفقد وإنك جيفة غدا بالفناء لا ينفعك إلا عمل صالح قدمته ولقرب هذا الجدار أنفع لأمير المؤمنين من قربك إذ كنت تطوي عنه النصيحة وتنهي من ينصحه، يا أمير المؤمنين إن هؤلاء اتخذوك سلما إلى شهواتهم قال المنصور: فأصنع ماذا؟ ادع لي أصحابك أولهم قال: أدعهم أنت بعمل صالح تحدثه ومر بهذا الخناق فليرفع عن أعناق الناس واستعمل في اليوم الواحد عمالا كلما رابك منهم ريب أو أنكرت على رجل عزلته ووليت غيره فو الله لئن لم تقبل منهم إلا العدل ليتقربن به إليك من لا نية له فيه".
ودخل على الرشيد بعض الوعاظ فقال له: عظني قال:
أما بيوتك في الدنيا فواسعة … فليت قبرك بعد الموت يتسع
فبكي ثم قال له: زدني فقال: تصور نفسك في فلاة لا ظل فيها ولا ماء والفصل صيف والحر شديد وقد اشتد بك العطش ولم تجد ماء ثم جاءك شخص بما يطفئ عطشك