الحسد، ومن هنا قال حاتم الأصم: "أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء، والمحبة، وأصل المعصية ثلاثه أشياء: الكبر، والحرص، والحسد" نعم يبعث على الطاعة واحد من ثلاثة، أو ثلاثة مجتمعة: خوف عقاب، أو رجاء ثواب، أو محبة صادقة، كتلك المحبة التي تحدثت عنها رابعة العدوية عندما قال لها سفيان الثوري لكل عبد شريطة، ولكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قالت له: ما عبدت الله خوفا من النار، فأكون كالأمة السوء، إن خافت عملت، ولا حبا في الجنة، فأكون كالأمة السوء، إن أعطيت عملت، ولكني عبدته حبا له وشوقا إليه وأول ما دفع إلى المعصية ثلاثه أشياء: الكبر ويتمثل في تكبر إبليس عن السجود لآدم، والحرص، ويتمثل في حرص آدم وحواء على الأكل من الشجرة المحرمة، والحسد، ويتمثل في كيد إبليس لهما حتى أخرجهما من الجنة، وفي قتل قابيل لأخيه هابيل {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ}.
وإذا كان الحسد قديما أصيلا، فهو داء عقام عياء، يعز دواؤه، ويتعذر شفاؤه، كالشجرة كلما غاصت أصولها في الأرض استعصى اقتلاعها:
[كل العداوات قد ترجى إماتتها … إلا عداوة من عاداك من حسد]
وقال معاوية: كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها. ولكن الحاسد ينال- على ذلك- جزاءه العادل العاجل بما يعتلج في إحشائه، من نار الحسد القاتل، (ولله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله)، بل إن بلاء الحاسد ليتفاقم ويتزايد حتى يستلفت نظر المحسود ويسترعى انتباهه، فيستدر رحمته وعطفه بمثل قول القائل:
إني لأرحم حاسدي لحرما … ضمنت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم … في جنة وقلوبهم في نار ...
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي … فكأنني برقعت وجه نهار ...
وسترتها بتواضعي فتطلعت … أعناقها تعلو على الأستار ...
وقال ابن المقفع: (أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذابا ليس بمدرك به حظا، ولا غائظ به عدوا، فإنا لم نر ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، طول أسف،