الحسد

كتب إلي أحد القراء الأدباء يقترح علي أن أتناول هذا الداء من أدواء القلوب، بفصل من هذه الفصول، وكان ذلك منذ أيام ... وبعد كتابة الفصل السابق في مرض القلب ودوائه، رأيت أن الفرصة قد سنحت لتلبية هذا الطلب، وتحقيق رغبة هذا الأخ.

قيل للحسن البصرى: أيحسد المؤمن أخاه؟ قال: لا أبا لك، أنسيت إخوة يوسف؟ يشير الحسن بذلك إلى حسد أبناء يعقوب ليوسف- أخيهم لأبيهم- وإلقائهم له في الجب، لما رأوه من إيثار أبيهم إياه ولاسيما بعد أن سمع منه رؤياه، التي يشير إليها قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، وليس مبعث هذا الكيد من أبناء- يعقوب لأخيهم إلا الحسد.

- إذن- فالحسد، لا يكاد يسلم منه أحد، وهو داء قديم مزمن، رافق الخليقة منذ نشأتها، حتى قيل: (الحسد أول ذنب عصى الله به في السماء- يعني حسد إبليس- وأول ذنب عصى الله به في الأرض- يعني حسد أحد أبناء آدم لأخيه حتى قتله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وليس مبعث قتل هذا الأخ لأخيه إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015