ما أعظم مجد محمد صلى الله عليه وسلم في قول ربه له: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، إنه مجد الدنيا والآخرة في قرن، وماذا ينتظر أصحاب الهمم الكبرى من دنياهم وأخراهم غير هذا؟: أن يظفروا بالمجد الأخلاقي في الدنيا وبالأجر الباقي الذي يتزودونه للأخرى، ولكن لنبحث ولنجل الطرف فيما جعل أجر- محمد صلى الله عليه وسلم غير ممنون، أي مستمرا غير مقطوع، إنه بلا شك وبدون إطالة نظر، ما ترك من كثرة الإتباع الذين أخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين جعلوا همهم في الحياة أن يجاهدوا في الله حق جهاده ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وإنه صلى الله عليه وسلم ليقول: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس" فكيف من هدى الآلاف المؤلفة، الذين هدوا إلى حظيرة هذا الدين مئات الملايين؟ وما ضعف أمر هذا الدين إلا بعد أن وقف تيار الدعوة إلى الله فكثر أهل الدنيا، وقل أهل الدين، ومما يتصل بهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، فالرسول الكريم- لحرصه على أن تبلغ أمته المنزلة السامية والقدر العظيم- يرشدها إلى ما يكفل لها دوام النفع، واستمرار الأجر، وخلود الذكر، وهو وما يشهد به القرآن الكريم، لهذا النبي العظيم، إذ يقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وفي ذلك إشارة إلى أن من يخلف (محمدا) في أمته، أو يدعو مثل دعوته، يجب عليه أن يتخلق بخلقه، ويتصفب بصفته، وإن في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله ... ، (الحديث) لخير بشارة للذي يشفق أن ينقضي هذا العمر القصير في