غير ما ينفع، أو يشفع عند الله، فيحرص على أن يمد هذه الحياة بأسباب من رضا الله بعمل إحدى ثلاث أو عملها كلها.
أولا- (صدقة جارية) - أي دائمة- لها أصل ثابت يؤتي أكله يوميا كالمسجد والمدرسه وكالحمام والعين، أو شهريا كمحلات الكراء من حانوت ودار، أو سنويا كأرض تزرع وشجر يثمر.
ثانيا- (علم ينتفع به) وأي شيء ينتفع به كالعلم، الذي جعله الله نور هذا الكون وجمال هذا الوجود، وقوام هذه الحياة، بتخريج تلاميذ صلحاء أماثل يصلحون ما أفسد الناس، وينيرون من هذا الوجود ما أظلم بالجهل والدجل والادعاء، أو بتأليف كتب نافعة تبقى على وجه الدهر ينابيع ثرة ينفق الناس منها، دون أن تنضب، أو يغيض لها معين، أو ببث النصائح الغالية والتوجيهات النافعة، التي تنشيء الجتمعات الصالحة، وتكون الأمم الراقية، وتوقظ الشعوب النائمة.
ثالثا- (ولد صالح يدعو له) - والولد الصالح هو الذي صلح في دينه ودنياه، فقويت صلته بالله، فإذا دعاه إستجاب دعاءه وأبلغه مناه، فهذا الولد ينفع أمه وأباه وفي الحديث- زيادة على ذلك- خير حل لمشكلة كبرى من مشاكلنا الراهنة، هي مشكلة مشاريعنا الحرة، التي تضطلع بأعبائها الأمة وحدها، والتي ليس لها سند مادي تقوم عليه، غير هذه التبرعات الطفيفة، أو هذه الاشتراكات القليلة التي لو توقفت لتوقف معها سير هذه المشاريع، فلا ينقذ هذه المشاريع من السقوط المتوفع لها، كالصدقة الجارية، التي يدعو إليها الحديث أول ما يدعو، ثم يقول الله لنبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، لماذا- يا ترى- كان هذا بعد قوله: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}؟ ذلك سر من أسرار التعبير المعجز، إنه كالسبب لما تقدم فكأن الله يقول: إن هذا الأجر العظيم الذي لا ينقطع نتيجة ذلك الخلق العظيم، الذي تنقطع دونه الأطماع، وأي زلفى إلى الله كأن تكون حسن الخلق مع الناس كما تكون حسن المعاملة مع الله، لذا يقول- عليه الصلاة والسلام-: "حسن الخلق من الإيمان" وهل رسالته صلى الله عليه وسلم إلا رسالة أخلاق؟ كما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولكن، ما هذا الخلق العظيم، الذي شهد الله به لنبيه الكريم؟ إن هذا يظهر في الخلق الذي كان به نجاحه في دعوته أكثر من أي خلق آخر، فإن الله ليطلعنا على سر