وبهذا يكون الإسلام هو واضع الأساس الصحيح، والقاعدة الثابتة لما يجب أن يقبل عليه الناس من قديم أو جديد، وهي قاعدة تتلخص في هذه الكلمات القليلة: الحرص على المفيد، وجد في القديم أو في الجديد.
ومن هنا، لم يتناول الإسلام في ثورته الكبرى كل شيء، إنما ثار على الفاسد الضار، أما الصالح النافع، كرعي الذمام، وإكرام الضيف وحسن الجوار، فلم يثر عليه، بل أبقاه وأقره ودعا إليه، ومن هنا- كذلك- ندد ببني إسرائيل عندما سئموا ما فيه نفعهم، فثاروا عليه، وطلبوا شيئا جديدا تافها، بالنسبة لما سئموه وثاروا عليه فقال تعالى-: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}؟ وليتأمل جيدا، الرد الحاسم في قوله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فهو التطبيق الكامل للقاعدة المتقدمة في الآية السابقة.
هذا هو الجديد الذي جاء به الإسلام والذي ثار عليه عبيد- الشهوات من أعداء الإسلام وأبناء الإسلام الذين لم يعرفوا الإسلام.
أما الجديد الذي جاء به هؤلاء، وحرصوا عليه ودعوا إليه فهو- لعمر الحق- جديد كجديد الموت، يقضى على كل ما تقضي به المروءة والغيرة والعفة والحياء، كهذا الجديد الذي نراه في الشارع وفي عربات الترام، وفي دور السينما وفي الحدائق العامة هذا الجديد الذي يسمونه تمدنا وتقدما ويسميه الإسلام فسوقا وفجورا، هذا التبذل االفاضح والتخلع الوقح، والتحلل الممقوت، هذا الجديد الحر المنطلق، الذي لا تقف في طريقه، حدود أدبية، ولا قوانين أخلاقية، ولا ضمائر حية، هذا الجديد الذي سموه مدنية، هو الهمجية بعينها التي ثار عليها الإسلام، وأتى على بنيانها من القواعد، وأقام على أنقاضها مدنيته العظيمة التي هي من وحي الله لا من وحي الشيطان، والتي تجدد صلة الإنسان بخالق الإنسان، والتي تقوم على قيادة العقل، لا على قيادة الهوى.
ليعلم أعداء الإسلام، والعاقون للإسلام، من أبناء الإسلام، أن الإسلام تجديد وثورة، واندفاع إلى الأمام، وهو دين الله الخالد الذي جعله يساير تطور الزمن ولا يجمد أمام مقتضيات كل عصر، لأنه الدين الذي ختم به رسالات السماء، فلا بد أن يصلح لكل جيل، ويتلاءم مع حاجات كل عصر، إنما يجب أن نميز بين جديد