القديم والجديد

كان لقضية (القديم والجديد) وولع الناس- في هذا العصر بصفة خاصة- بكل جديد، سلطان كبير على العقول والميول، وتأثير شديد على القيم الأخلاقية، والمقومات الإنسانية، ورغم ذلك لم أكن لأشغل الفراغ المخصص لهذه الفصول، بهذا الموضوع، لولا رأي خطير، لصديق كريم، لأن هذا الموضوع- فيما أرى- قد طرقه كتاب كثيرون وقتلوه بحثا إنما أتناوله أنا من ناحية أخرى، خصصت لها هذه الفصول- وهي الناحية الدينية المحضة:

قال الصديق: ألاحظ أن كل ما يكتب اليوم ليس بجديد، ففوجئت بشيء جديد، ولعل هذا هو نفس ما قصد إليه هذا الصديق ليثبت أنه أتى بجديد لكني قلت له: لك رأيك على كل حال، ولكن أضف إلى هذا أيضا: أنه ليس كل جديد صالحا تجب الدعوة إليه، ولا كل قديم غير صالح تجب الثورة عليه والقرآن- قانون الله الذي لا ينسخ بقانون الإنسان يعطينا هذه القاعدة إذ يقول- منددا بالجامدين الذين كلما جاءهم من الله رسول- بجديد مفيد ينسخ قديمهم الفاسد-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}، بل أصرح من هذا في الموضوع قوله- تعالى-: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}.

هكذا: فانتقمنا منهم، لأنهم وقفوا في طريق التجديد الصالح، ولم يقبلوا الجديد النافع، وأصروا على قديمهم الذي فسد وتعفن أو كان من أصله فاسدا عفنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015