التقوى هاهنا

قال لي أحد الإخوان: إن من يقرأ عنوان مقالك (لنتطهر) يشعر بأن سيقرأ مقالا في التطهر من الذنوب عامة، ولكنه يخرج بكلام في الربا وحده.

قلت له: وأي ذنب كالربا أولى بأن نبدأ به ونجعله الحلقة الأولى لسلسلة تتناول أشياء كثيرة يجب أن نتطهر منها؟

وإن أكل الحرام أول شيء يجب أن نتطهر منه، ولا غرابة في ذلك فقبل بذر الحب يجب إعداد الأرض للزرع، وقبل الصلاة- التي هي تطهر قلب- يجب الوضوء- الذي هو تطهر بدن- ولكن هذا البدن المتنجس بالغذاء الحرام، لا يفيد فيه الوضوء قبل أن يتطهر من الغذاء الحرام، والربا هو الحرام الذي عمت به البلوى، والسحت الذي نبت منه- اليوم- كل لحم، والذي يقول صلى الله عليه وسلم- في مدى خطره-: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به"، ولا يصرفنا عن التعرض لهذا المرض أن الأكثرية الساحقة من الأمة قد أصيبت به، بل إن المرض العام والأكثر انتشارا هو الذي يجب أن يلفت الأنظار، وتتظافر- لمقاومته- الجهود.

نحن- اليوم- ويا للأسف.- نسبح في خضم متلاطم الأمواج من الذنوب لأننا نعيش في بيئة، أقل ما يقال فيها: أنها بيئة ذنوب، والوازع الديني فيها والخلقي، فقد كل ما كان له من تأثير وسلطان على النفوس وما أسرع فشو الذنوب في بيئة فقدت وازع الدين والخلق، فهناك أشياء في قانون الدين والخلق، تعين على تضييق دائرة الذنوب أو تقضي عليها من أصلها، وتأتي على بنيانها من القواعد، خلت منها بيئتنا منذ خلت من الوازع الديني والخلقي، كالغيرة والحياء، اللذين طالما وقفا سدا منيعا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015