طريق الذنوب، وتمثلا حارسا قويا لضعاف القلوب، يهم الفتى أو الفتاة بالفاحشة، فسرعان ما يستيقظ بين جوانحهما عامل الغيرة، الغيرة على رأس المال الحقيقي، الذي هو الشرف، الذي ميز الله به الإنسان عن الحيوان فإذا لم يستيقظ عامل الغيرة، أو استيقظ ولكنه لم يقو على المقاومة والوقوف في وجه التيار، استيقظ عامل الحياء والخوف من الفضيحة وذهاب هذه الذخيرة الغالية، التي تسمى الشرف، ضحية شهوة تفنى ويخلد عارها.
ولكن، أين الغيرة والحياء اليوم؟ لقد تقلص ظلهما، واختفى شبحهما، منذ زمن بعيد، وحل محلهما النظام الغربي الجديد الذي لا يقيم للوازع الديني والخلق وزنا، والذي يرى أن الغيرة ضيق أفق، والحياء جمود فكر، وأصبحنا نرى الشاب المسلم يغار على شعره أكثر مما يغار على أهله، ويستحي من دخول المسجد، ولا يستحي من دخول دور اللهو والعبث والفسق والفجور، ونرى الكواعب الأبكار قد خلعن العذار، وهجرن الديار، وبرزن في كل ميدان واستسلمن إلى كل تيار، وتجردن من كل ما يسمى غيرة أو حياء، وتجاهلن كل اعتبار ..
إن موت الغيرة والحياء ساقنا إلى الدمار، وجلب كل عار، وحسبنا خزيا أن لحوما كثيرة في مجتمعنا نبتت من حرام، وليس لذلك من سبب إلا انطفاء نار الغيرة، ونضوب ماء الحياء اللذان سببا اختلاط النساء بالرجال، فجاء من هذا الإختلاط الحرام، نبات (نبت) من حرام.
إنه لو بقيت الغيرة والحياء، لما عرفنا هذا البلاء، ولكن كيف تبقى الغيرة أو الحياء، وهما من الإيمان؟ والنبي صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا إيمان لمن لا غيرة له"، كما يقول: (الحياء من الإيمان)، بل يقول (قلة الحياء كفر)، والإيمان قد خلا مكانه من القلوب، فما بقاء الفرع، بعد ذهاب الأصل؟
إنه لو بقي في القلوب إيمان، لبقي السلك الكهربائي الذي يصل ما بين القلوب، فإذا خوطبت بالأمر والنهي ومست بالكلام المثير، تحرك فيها ذلك السلك الكهربائي، فاهتزت واستيقظت واتجهت في طريق الرشد والسداد.
إن للحياة مصدرا هو القلب، وإن صاحب القلب الميت لا ينتفع بالأمر والنهي، فلا عجب أن نرى القرآن- كتاب التوجيه الخالد- لا يوجه نداءاته إلا للقلوب