{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}. يدفعنا حب البقاء إلى حب الولد، والاحتياط لمستقبله، ويدفعنا حب الولد إلى حب المال، والاحتيال لتحصيله، وفي هذا بعض السر في ذكر المال والولد مقترنين في الآيتين، وليس في هذا ما يضير، فلا يضير حب الولد، والاحتياط لمستقبله، ولا حب المال، والاحتيال لتحصيله، ما لم يتجاوز ذلك الحد المعقول، إنما الذي يضير حقا أن ينسيك الولد واجبك مع الله، أو يلهيك المال عن أداء رسالتك في الحياة، وهو ما ينصب عليه النهي في الآية الأولى ... {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}، وتتضمنه خاتمة الآية الثانية: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} إثر قوله: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} نعم إن الله أرحم وأحكم من أن يؤاخذنا على حب شيء جعله لنا طبيعة وفطرة، وله طابعا وصبغة، وللحياه زينة وبهجة، إنما ينهانا عن الغلو في كل شيء، حتى في دينه الذي أرتضاه لنا، إذ قال: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}، فكيف لا ينهانا عن الإفراط والغلو فيما يلهينا عنه ويشغلنا عن طاعته، ونحن الأمة الوسط التي جعلها الله المثل الأعلى للأمم في الاعتدال والقصد في كل شيء، وأهلنا بذلك للاختصاص، بفضيلة الرقابة والشهادة على خلقه، إذ قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، فلا كان هؤلاء الذين