استبد بهم حب المال، حتى أنساهم ذكر الله، وشغلهم عن أداء رسالة الحياة، وأصبحوا لا يبالون أجاء المال من حلال أو حرام، وأكتسبوه أم أغتصبوه، حتى إذا أستغنوا تجبروا وطغوا، ومنعوا الحقوق الواجبة وبغوا، كما أخبر بذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}، وكما نشاهده في جل أغنيائنا، وهكذا، فالمال الذي جعله الله من أجل النعم، ومن أهم وسائل الإصلاح ينقلب في أيدي هؤلاء أداة عاطلة، أو وسيلة شر وفساد.

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

ولا كان أولئك الذين اتخذوا من أولادهم أوثانا، يعبدونها من دون الله، فيحلون في سبيلهم ما حرم الله، ويشغلهم الاهتمام الشديد بهم عما يجب عليهم لله، ويحملهم على البخل والجبن اللذين هما من أقبح ما يتصف به المؤمن بالله، كما يصرح بذلك الحديث: (الولد مبخلة مجبنه)، وكما يشير إليه اقتران ذكر المال بالولد، في الآية المفتتح بها الفصل.

وشر من هؤلاء وأولئك الذين يقصرون عنايتهم بأولادهم، على الجانب المادي وحده، فيجعلون جمع المال لهم غايتهم القصوى، ولا يربونهم على الدين، والخلق، ولا يهذبون نفوسهم بالعلم والمعرفة، كأن المال، هو كل ما يحتاج إليه الناس في دنياهم، كل ما تتطلبه الحياة. من وسائل النجاح، حتى إذا فصل الموت بينهم وبين أبنائهم، وجد هؤلاء الأبناء أنفسهم بلا سلاح، في دنيا الكفاح وإنما وجدوا مالا وفيرا، وجهلا كبيرا، فلا يفي مالهم بجهلهم، بل يبددون بجهلهم ما جمعه الآباء بكدهم، ويبقون أسرى الجهل والفقر معا.

-وإذن- فخير ميراث يورثه الآباء للأبناء، هو الإعداد الصالح والتوجيه الصحيح وهو ما عناه عمر رضي الله عنه بقوله: (الأدب خير ميراث).

إن الولد الذي أحسن أبواه إعداده وتوجيهه، لا يحتاج إلى المال، لأنه لا يعجزه الحصول على المال، وإن الولد الذي أهمل- أو أساء- أبواه إعداده وتوجيهه، لا ينفعه المال، لأنه لا يعرف كيف يحتفظ بالمال، ويجهل طرق استثمار المال، فسرعان ما ينفلب من بين يديه المال، وإذا كان الولد من زينة هذه الحياة، كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015