الموجة المادية، الطاغية، وعصفت بعقولهم وضمائرهم ريح الأنانية لما أحسوا في نفوسهم سلطة لغير الله، ولما ارتضوا لأنفسهم خضوعا لغير الله، ولما باعوا دينهم بدنياهم، وأخذوا إلاههم هواهم، ثم تذكرت كيف كانت آثار هذه الكلمة في النفوس لأول عهدها بها، وكيف كانت بمثابة النفير العام، الذي يجمع سائر أجزاء المسلمين في بيت الله، أو (المستشفى الروحي) حيث يشرف على علاج النفوس أعلم الأطباء بأدواء النفوس، وذكرت إلى ذلك كيف أن هذا النداء السماوي ما زال إلى اليوم يهز أرجاء الوجود وتميد له رواسي الجبال، إلا نفوس المسلمين فلا يوقظها من سباتها، ولا ينهض بها للقيام بواجباتها، ثم غمرتني موجة من الحيرة، وأخذت أوجه الأسئلة إلى غير مجيب، وأقول: ما الذي حل بالمسلمين يا ترى- فحال بينهم وبين أن ينتفعوا بما كان ينتفع به آباؤهم من قبل؟ هل أوتي آباؤنا حاسة زائدة؟ أو منحوا طبيعة خاصة؟ أو كانوا في جاهلية أشد من الجاهلية التي نعيش في ظلها اليوم؟ أو هي الفطرة النقية التي تربت في بيئة أصلية نقية من سائر الطفيليات، والآفات الخارجية؟ أو الظمأ الروحي اللافح إلى الكمال الإنساني الذي بعدما بينهم وبينه؟ أم لا هذا، ولا ذاك، وإنما هو العزيمة الصادقة تنشيء النماذج الصالحة من الرجال، والأمثلة العليا من الأبطال؟ ولكنني قلت أخيرا: سواء صح هذا أو ذاك أو كلاهما فإن دين الله حجة على الأولين والآخرين، وإن حكمة الله قد قضت بأن الفوز والفلاح للعاملين المجدين وأن العزيمة الصادقة، والشعور الحي، والشوق الملح إلى الكمال، لمن الوسائل القوية الكفيلة بأن تبلغ صاحبها ما يطمح إليه من رغائب وآمال. إن كلمات الآذان، هي الطرقات القوية التي يفتح لها باب القلب، وتستيقظ عليها مشاعر النفس، وينفذ بها إلى الوجدان، أقباس من الإيمان، فتبدد ما به من ظلمات حالكات، وتطهره مما تسرب إليه من آفات فاتكات، وتهيئه للدخول إلى بيت الله، وللاتصال بالله في الصلاة.

فلا عجب أن يؤمر بالأذان لكل صلاة ويطلب ممن يسمعه محاكاته لتتركز ألفاظه ومعانية في قلب كل مسلم، فيتجدد بذلك إيمانه بربه، واعترافه بدينه واحتفاظه بعهده. وليت كل مسلم يقوم بهذه التجربة، فيؤذن ولو مرة واحدة في عمره، والأحسن أن يكون ذلك في أذان الصبح، فإنه أدعى إلى قوة الشعور بأثر التجربة فيهب من نومه في الهزيع الأخير من الليل، فيتوضأ ويصلي ما شاء الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015