المجتمع من علل وآفات، بمعنى أن الأطباء أصبحوا- هم الآخرون مرضى، وويح الأمة إذا مرض أطباؤها، والأطباء المرضى هنا هم العلماء الخادعون المخدوعون، الذين يقولون ما لا يفعلون ويأمرون بما لا يأتمرون، وينهون عما لا ينتهون؛
"وغير تقي يأمر الناس بالتقي … طبيب يداوي الناس وهو عليل
وتلك هي الإساءة المزدوجة، كما قال أبو العلاء:
إذا فعل الفتى ما عنه ينهى … فمن جهتين- لا جهة- أساء
إن الأمة قد استجابت لله، وهرعت إلى بيوت الله على كثرة ما سمعت من أصوات الداعين إلى الله، ولكنها اصطدمت بالكارثة القاضية، وهي مرض الداعية، ونخشى أن تردها الصدمة إلى الوراء، وداء النكسة أخطر داء، ولو سبقت هذه المرحلة، مرحلة تخريج الأطباء لكان أجدى على المرضى، وأدعى لتأدية المسجد لدوره الفعال وغرضه الأسمى، فإن المسجد وحده بدون دعاة ثقات، لا يرجى منه أن يؤدي وظيفته في علاج القلوب كما لا يرجى من المستشفى أن يؤدي وظيفته في علاج الأجسام بدون أساة ثقات.
إن رسالة المسجد. إذن- أعظم رسالة، وإن عظماء الإسلام الأولين وقادة الإسلام الفاتحين وحكماء الإسلام الروحيين، إنما تخرجوا من المسجد وحملوا أشعة النور، إلى سائر جهات المعمور، من المسجد، وليس معنى هذا أن جدران المسجد أو سواريه هي التي تمد أقاصي المعمور، بأشعة النور، بل إن أطباء القلوب، الصحاح القلوب، هم مصدر النور إلى القلوب، (ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
فيا أيها الشبان المتنكرون للمسجد، ثقوا بأنكم لستم على شيء ما دمتم أعداء للمسجد، ولا يفيدكم كل ما حصلتم عليه من علم إذا كنتم تجهلون قيمة المسجد وإذا كنتم تجدون دواء أبدانكم خارج المسجد، فإنكم لا تجدون دواء قلوبكم إلا داخل المسجد، ولا تحسبوا أنكم من المسلمين، وأنتم لا تضمكم صفوف المسلمين في المسجد. فهلموا أيها الشبان إلى المسجد!