(المسجد): "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" الحديث.

وإنما الإنسان بقلبه وروحه، وما الجسم إلا القشر الذي يحفظ اللباب، ولذا قيل:

أقبل على النفس فاستكمل فضائلها … فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

وليس معنى هذا أن الإسلام يهمل شأن الجسم، ولا يقيم وزنا لغير الروح والقلب، وإنما المراد أن في تهذيب الروح وترقيتها وصحة القلب وسلامته، صحة الجسم وسلامته، فإن القلب هو القائد لهذه السفينة التي هي البدن، وبهذا القائد تسلم أو تعطب، وتنجو أو تغرق، فمثلا:، أكثر ما يكون داء البدن من الإفراط في الأكل والشرب كما قال ابن الرومي:

فإن الداء أكثر ما تراه … يكون من الطعام أو الشراب

ولكن الأدوية التي يشير بها الإسلام، ويجدها المرضى في (مستشفى الإسلام) من مثل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، مثل هذا الدواء كفيل بوقاية الأجسام من الآفات والأسقام، إذا كان القائد- الذي هو القلب- يقظا واعيا لم تحجب بصيرته الذنوب والآثام.

إذن، ليس المسجد إلا المستشفى العام، لمرضى القلوب والأجسام، هذا ما يلمسه كل من يعرف الإسلام، ويتلو قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، وإنما المشكلة هي مشكلة الذين لا يعرفون الإسلام، أو تلقوا عن الإسلام ما ليس من الإسلام، ولا سيما إذا تلقوه منذ النشأة الأولى، وفي عهد الطفولة كما عمت به البلوى في عهدنا الأخير- وكما تحدث عنه الشاعر بقوله:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى … فصادف قلبا خاليا، فتمكنا

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المساجد لم تعد تقوم بالدور الهام، الذي كانت تقوم به في العهود الزاهرة للإسلام، لأن الدعاة قد سرى إليهم ما أصاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015