بفهر رأي حجر) فهتمت به فاها (أي أسقطت مقدم أسنانها) وقالت: والله لاقعد أحد مني مقعد عثمان. وما أروع وأسمى موقف أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد حزب الأمر واشتد الخطب على ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قتاله مع الحجاج بن يوسف إذ تغلبت على عاطفة الأمومة اللجوج ودفعت بابنها في جحيم المعركة حتى قتل وهي مطمئنة هادئة محتسبة صابرة ولم ترض له النكوص على عقبه أو تسليمه نفسه بيده:
يروى أن عبد الله بن الزبير لما ضيق عليه الحجاج الخناق، وقتل من كان يشد أزره من الرفاق، واستسلم بعضهم للقيد والوثاق، ومن بينهم ولداه حمزة وحبيب، جاء أمه فقال: أمه خذلني الناس حتى ولداي وأهلي فلم ببق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع صبر ساعة، والقوم يعطونني من الدنيا ما أردت، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض فيه فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن، فدنا منها فقبل رأسها وقال: هذا والله رأي، ولكنني أحببت أن أعلم رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فأنظري يا أمه فأبي مقتول من يومي فلا يشتد حزنك وسلمي لأمر الله، قالت: إني لأرجو الله أن يكون عزائي فيك حسنا، أخرج حتى أنظر ما يصير إليه أمرك، فخرج وما زال يقاتل حتى قتل.
ولا عجب للمرأة المسلمة تدفع بإبنها إلى الموت، فقبل أسماء الخنساء التي لم تذرف عين امرأة من الدمع ما ذرفت عينها على أخيها صخر، ولا أحسن قلب لذع الحزن ما أحس قلبها فراق هذا الأخ الحبيب، هذه الخنساء تحضر وقعة القادسية سنة 16 للهجرة ومعها أولادها الأربعة، فما تزال تحرضهم على القتال حتى قتلوا جميعا وهي تقول: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم! ...