لتتأمل المرأة المسلمة في هذه اللوحة الفنية الرائعة التي تبرز فيها صورة التربية الإسلامية واضحة الملامح والسمات، ولتستجل منها تلك الخلال النبيلة السامية من صبر وثبات لدى المكاره والأزمات، ومن حب وإخلاص ووفاء للزوج ومحافظة على كيانه، وحرص على راحته واطمئنانه، وهكذا أنشأ الإسلام المرأة، وهكذا يجب أن تكون المرأة: حضن رحيم ودود مهذب كريم صبور-، يأوي إليه الزوج فيجد فيه الأمن والهدوء والعطف والحنان، ويتنسم منه نسيم السكينة والقرار والاطمئنان من عنت الأيام ونكد الزمان، كل ذلك تنضح به كلمة (لتسكنوا) في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
وإن هذه الصورة الرائعة للزوجة الصالحة التي أبدعتها تعاليم القرآن التي تصنع المجتمعات الصالحة لا يحسن بعدها إلا ذلك الإطار الفتان لنائلة بنت القرافصة زوجه عثمان رضي الله تعالى عنه.
قالت تماضر- زوجة عبد الرحمن بن عوف- لعثمان رضي الله عنه: هل لك في ابنة عم لي بكر جميلة ممتلئة الخلق أسيلة الخد أصيلة الرأي، تتزوجها؟ قال: نعم، فذكرت له نائلة بنت القرافصة الكلبية، فتزوجها (وهي نصرانية فتحنفت) وحملت إليه من بلاد كلب مع أخيها ضب (وكان مسلما) فلما دخلت عليه قال لها: لعلك تكرهين ما ترين من شيبي؟ قالت: والله يا أمير المؤمنين إني لمن نسوة أحب بعولتهن إليهن الكهول، قال: إني قد جزت الكهول وأنا شيخ، قالت: أذهب شبابك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير ما ذهبت فيه الأعمار، قال عثمان: إما أن تقومي وإما أن أقوم إليك؟ فقالت: ما تجشمت إليك من عرض (السماوة) أبعد مما بيننا، بل أقوم أنا، فقامت حتى جلست معه على السرير، فقال: اطرحي درعك، قالت: ذاك إليك، ومسح رأسها ودعا لها بالبركة، فكانت أحب نسائه إليه، ولم تزل نائلة عند عثمان حتى قتل، فلما دخل إليه الثوار ليقتلوه وقته بيدها فجذمت (أي قطعت) أناملها، فأرسل إليها معاوية بعد ذلك بخطبها، فأرسلت إليه: ما ترجو من امرأة جذماء؟ وقيل أنها قالت لما قتل عثمان، إني رأيت الحزن يبلي كما يبلي الثوب وقد خشيت أن يبلي حزن عثمان من قلبي، فدعت