لهذا الموضوع صلة وثيقة بالموضوع الذي قبله - موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فكلاهما دعوة إلى الكمال ومقاومة للشر، والفرق بينهما أن أحدهما دعوه بالقول والآخر- وهو القدوة الحسنة- دعوة بالعمل والسلوك وهذا أبلغ تأثيرا لأن الناس تتأثر بالحقائق أكثر مما تتأثر بالأقوال، والداعية المستقيم السلوك الحسن السيرة، قلما يخفق في دعوته، وبالعكس منه أولئك الدعاة الأنانيون الإنتفاعيون الذين تنطلق ألسنتهم بالقول وتنقبض أيديهم عن العمل، أولئك الكسالى الذين لا تتحرك فيهم إلا ألسنتهم، فهم الذين وقفوا في طريق دعوتهم من حيث لا يشعرون، إذ شككوا الناس فيما يدعون إليه بمخالفتهم إياه، لأن الداعي إلى شيء يجب أن يعطي الأمثلة من نفسه والشهادة العملية من سيرته، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فسيرته كلها دعوة إلى ما جاء به، وهذا من أسرار نجاحه في دعوته، ومن أجل هذا يأمرنا الله تعالى بأن نتبعه صلى الله عليه وسلم في سيرته وأعماله كما يأمرنا بإتباعه في أوامره وأقواله، إذ يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} والقدوة برسول الله تكون في حياتة باقتفاء خطواته، وبعد صعوده إلى الملأ الأعلى بالرجوع إلى ما سجل من هذه السيرة الخالدة والائتساء بها والإسترشاد بأنوارها الهادية التي هي من نور الله والتي منذ عشونا عنها ونحن في ظلمات بعضها فوق بعض والتائه في الظلمات يمد يده إلى كل من يأخذ بيده ولو لم يعلم إلى أي هاوية يسير به، وذلك ما وقع لنا فبينما نحن في متاهتنا إذ مد إلينا شيطان الإستعمار الأروبي يده المضللة لا ليخرجنا من الظلمات إلى النور، بل ليخرجنا إلى ظلمات أشد منها ظلاما، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ