أما هذه الآية التي تحتج بها لسكوتك عن الباطل فقد أحتج بها أناس آخرون قبلك ولكنهم لم يفلحوا ولذا روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} على غير وجهها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
أيها المسلمون: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل فرد في هذه الأمة لا يختص به واحد دون آخر، للنصوص الصريحة المتقدمة ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" ولأن في ذلك قطعا لدابر الفساد، فإن ما وقع فيه المجتمع الإسلامي من إنحطاط في الخلق وانحراف في السلوك وانصراف عن تعاليم الإسلام، يرجع كله إلى عدم المبادرة بمقاومة الشر، بالنهي عن المنكر كلما حدث شر وهو معنى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. وأنتم إيها الطبقة الخاصة: المسؤوله بصفة خاصة، بما ميزكم الله به من علم ومعرفه بتعاليم الإسلام وبطرق الإقناع أنفضوا عنكم غبار الكسل والأنانية واليأس وأنقذوا أمتكم مما هوت إليه من دركات الشقاء والإنحطاط، ولكن لابد من سلاح لهذا الكفاح، سلاح من قوة الإرادة، وسلاح من نقاء الضمير، وسلاح من طهارة السلوك، فإنكم في عصر الإلحاد والإباحية والعلم أيضا، العلم الذي كثيرا ما أستخدم في مقاومة الحق وتأييد الباطل، وأقوى سلاح في هذه الأسلحة، أن تعملوا بما تدعون إليه، فإن الناس يسمعون في هذا الباب بعيونهم، أكثر مما يسمعون بآذانهم، أي أنهم ينظرون إلى عمل العالم أكثر مما يسمعون إلى قوله، ولهم الحق في ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقي في النار فتندلق أقتاب بطنه (أي تخرج أمعاؤه) فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان: ما لك، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهي عن المنكر وآتيه" فكونوا أيها العلماء حجة للدين ولا تكونوا حجة عليه.