ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وهذا الشيطان يوسوس لنا دائما بأن من الخير أن لا نلتفت إلى الماضي ويريد بذلك أن لا نعود إلى تاريخنا فنتأثر بتلك السيرة الملائكية ونهتدي بتلك الأنوار القدسية، وتكتمل حياتنا التهذيبية نقصها الفادح بذلك الجانب الأهم، جانب القدوة الحسنة، ولذلك نصبح خير خلف لخير سلف، فنسير سيرتهم ونأتي من أعمال الخير والفتح والعمران ما كرسوا له حياتهم، وفي ذلك كله تبديد ظلامه وظلمه، والقضاء على سلطانه وحكمه.
لذلك فلا أقض لمضجع الإستعمار من أن يرى الأمة التي أنشب فيها مخالبه وأخضعها لحكمه، تقبل على تاريخ أسلافها تستظهر صفحاته لتقبس منه الشعاع الهادي وتأخذ منه الحكمة البليغة والعظة البالغة، وتستمليه دروس الوطنية الصادقة وأمثلة البطولة العالية.
إن القدوة الحسنة هي التي تنشىء البيئة الصالحة وإن الله إذ يأمرنا بالدعوة
إلى الكمال إنما يأمرنا بإيجاد القدوة الحسنة التي تنشىء البيئة الصالحة، كما أنه إذ يأمرنا بمقاومة الشر إنما يأمرنا بقتل القدوة السيئة التي تنشىء البيئة السيئة، فكل رجل خير هو قدوة حسنة، وكل رجل شرير هو قدوة سيئة.
وإذا قارنا بين المجتمع الإسلامي الأول والمجتمع الإسلامي اليوم، وجدنا أن المجتمع الإسلامي الأول بلغ الذروة العليا في الكمال الإنساني، لأن القدوة إذ ذاك كانت قدوة صالحة كاملة كان الجو إذ ذاك تعطره أنفاس محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي وعثمان وأبي عبيدة وأمثالهم، ووجدنا أن المجتمع الإسلامي اليوم وصل في الإنحطاط والتسفل إلى الدرك الأسفل، لأن القدوة الصالحة انعدمت بالمرة، وبدل من أن يكون لنا من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدوة، استعرنا قدوتنا من الخارج وبذلك أصبح مجتمعنا غير إسلامي، وأصبح يعج بكل ما حرمه الإسلام من بيوت للدعارة مفتحة الأبواب في الليل والنهار، وحانات تمتلىء بالمسلمين وتعيش على أموال المسلمين، وبنوك تتعامل بالربا، ولو كان هذا في البلدان التي لم تذق أي طعم للحكم الذاتي لهان الأمر بعض الشيء، ولكنه في البلدان التي تتمتع بقسم كبير من الإستقلال، وهكذا: