حكمهم، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وغضب عليهم فلم يقبل دعاءهم وكفى بهذا عقابا لهم وحق عليهم بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يسجاب لكم".
وا أسفاه على هذه الأمة! إختار الله لها خير وظيفة في الدنيا، وهي وظيفة الأنبياء، وهي الدعوة العامه إلى الخير العام، فلم تعرف قيمة ما بيدها، ولم تجعل من كفاح نبيها في هذا الميداين خير قدوتها، وكتابها يستصرخها بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ولكن كيف تقتدي بنبيها وهي لا تلتفت إلى تاريخه:
"وإذا فاتك التفات إلى الما … ضي فقد غاب عنك وجه التأس"
لقد أمضى نبيها صلى الله عليه وسلم كل عمره مكافحا في هذا السبيل بلسانه وبحسامه وبسلوكه، كان المثل الأعلى للداعية المسدد الموفق بخير ما تحتمله كلمة داعية من معنى، وبفضل هذا الجد والحرص والتفاني في الدعوة، عم نور الإسلام أكثر بقاع الأرض.
ولكن المسلمين اليوم أنطووا على أنفسهم وأشتغل كل منهم بخويصة نفسه،
وأذكر أني عتبت يوما على صديق تقصيره في هذا الباب فأجابني بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فقلت له: أعيذك أن يكون فهمك لكتاب الله هذا الفهم، فإن القرآن لا يناقض بعضه بعضا، فكيف يأمر بشيء ثم ينقضه؟ أنسيت {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} الآية المتقدمة؟ أنسيت {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}؟ أنسيت {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}؟ ثم كيف يناقض صلى الله عليه وسلم القرآن الذي أنزل عليه وهو يأمرنا بتغيير المنكر فعلا لا بالنهي عنه فحسب، إذ يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ويجعل هداية ضال واحد غنيمة كبرى إذ يقول: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"؟