إن في كلمة عمر العظيم لتنبيها إلى دائنا الخطير وهو فقدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جعله الله سبب عزة هذه الأمة ومناط فضلها على سائر الأنام إذ قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ولو عرف المسلمون قدر هذه الآية لعرفوا أي أمة هم، ولعملوا ما تقتضيه منهم بل لاتخذوا يوم نزولها عيدا لهم، كما اتخذ النصارى يوم نزول المائدة عيدا لهم، وشتان بين نزول مائدة طعام، ونزول آية تعلن فضلنا على سائر الأنام.
إن الله اذ منح هذه الأمة هذا الدين العظيم الذي ختم به الأديان وجمع فيه من وسائل الإصلاح والتقدم والعمران، ما يصلح عليه أهل كل زمان، قد وضع في يديها مجد الحياتين ومفتاح السعادتين، وبذلك جعلها خير أمة أخرجت للناس، ولكن هذه الخيرية قد أناطها الله بطرفي آخر لا بد منه، هو القيام على حراسة هذا المجد وحفط هذا المفتاح، هو العمل بتعاليم هذا الدين والآنقياد لأوامره ونواهيه، ليكون الفضل مكتسبا وموهوبا معا، بل إن الفضل الصميم الذي يستحق التنويه والتعظيم هو ما أكتسبه الشخص بجده وكفاحه.
والدعامة التي تحفظ هذا الدين ويقوم عليها بناؤه المتين هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أحتاط الإسلام لذلك فأناط به شرف هذه الأمة وجعله واجبا على كل فرد فيها إذ قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وليرى المسلم أن في المحافظة على واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو دعامة دينه محافظة على [ ... ] عند الله كما أن في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دافعا قويا للدعاة إلى العمل بهذا الدين الذي يدعون إليه، إذ يستحي الداعي إلى شيء أن يخالف ما يدعو إليه، والله تعالى يقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} ولا أحكم ولا أقوم من هذا التشريع، فالإسلام إذ يلزم المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعله مقيدا بالعمل به، وفي ذلك حفظ للدين في أتباعه ومخالفيه على السواء.
إذن- فشرف هذه الأمة وفضلها على الأمم قائم على بقاء هذا الدين في العمل به والدعوة إليه، ولكن المسلمين اليوم لم يعملوا بدينهم فضلا عن أن يدعوا إليه، ومن ثم خرجوا من فردوس السعادة الذي كانوا فيه، وحكم الله فيهم من كانوا تحت