مقدمة للمشاركة الإيجابية كمشاركة الصائمين للفقير بجوعهم، فإن الحكمة من هذا الجوع أن يوقظ الشعور بالمحرومين في الناس، ولكن حتى هذه العيادة قد يستغربها كثير من الناس لأنهم يستكثرونها على هؤلاء التعساء، ويريدون أن يموتوا دون أن ينظر إليهم أحد، أو يتألم لألمهم قلب.

ونحن لا يهمنا من هذا شيء ما دام منهاجنا هو منهاج الإسلام وما دامت

دعوتنا هي دعوة الرجوع إلى تعاليم الإسلام، وعبادة المريض من سنن الاسلام ورسول الإسلام قد صح عنه أنه كان يعود المرضى في أطراف المدينة ولا سيما الفقراء منهم، فمالنا ولهؤلاء الذين لا يعنيهم أحد ولا يهتمون إلا بأنفسهم والذين لو استقر في قلوبهم إيمان، أو انطوت صدورهم على شيء من رحمة بأنضاء البؤس والحرمان لما كان في هذه الحياة بائس ولا محروم، ولأصبحت الحياه جنة تسر الناظرين، ولأصبح الناس كلهم إخوانا على سرر متقابلين:

- وإذن- فقد صح عزمي على أن أعود هؤلاء الذين لا يعودهم أحد، ولا يفكر فيهم إلا الأقلون. فذهبت إلى أحد شوارع العاصمة التي يكثر فيها وجود هذا الصنف من تعساء الإنسانية، فوقع بصري على مشهد يذيب الفؤاد، ويفتت الأكباد، ونظرت إلى أكوام من الجثث الحية الميتة، تكاد تلتحم بالأرض، لطول ما باشرت بأديمها الأرض، نظرت إلى عيون غائرة ووجوه كاسفة وبشرات ذابلة قد برزت من بين خروق الثياب الممزقة والأسمال المتهدمة، والأنكى للقلوب الرقيقة والمشاعر الحساسة أن هؤلاء التعساء كلهم صغير السن غض الإهاب لم يتخط أكبرهم عتبة العشرين فقلت في نفسي: إلى من تنتمي هذه الأسرة الشقية؟ وأين آباء هؤلاء الصغار وأمهاتهم؟ وإلى من وكل أمرهم؟ وإلى متى يبقون على هذه الحال؟ وما مدى صبرهم على كل هذا البلاء؟ وأين الرحمة التي يتحدث الناس عنها؟ وأين الزكاة التي جعلها الله أحد أركان الإسلام؟ وأين الصدقة التي حث عليها القرآن؟ وإذا ذهب كل هذا فأين الغيرة والشمم؟ وأين الوطنية التي يدعيها كل منا عند السعة ويحجم عن الأخذ بناصرها عند الأزمات؟ وبلغ بي التأثر مبلغه فذهلت عن نفسي ولم أشعر إلا بقطرات العرق- عرق الخجل من نفسي- تتساقط من جبيني على عيني فيختلط عرق الخجل بدموع الرثاء ويغيم بصري ولم لا؟ أليس هؤلاء التعساء إخواننا لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015