عيادة

أيقظ في نفسي وخز هذا الزمهرير، خواطر كانت هاجعة، وأعاد إلى ذاكرتي صورا كانت شاردة، وعرض أمام عيني دنيا فسيحة تموج بشتى المشاعر والأحاسيس، دفع بي مفعولها إلى أن أضيف هذه الكلمة إلى الفصل السابق. يروي التاريخ أن أحد العارفين بالله دخل عليه بعض إخوانه في يوم شديد البرد كهذه الأيام فوجده عاريا من ثيابه فقال له: إن الناس في هذه الأيام تضاعف اللباس وأنت هكذا تتعرى من الضروري منه، فقال: تذكرت الفقراء وما يقاسونه من لذع هذا البرد، ففكرت فيما أواسيهم به فلم أجد، فقلت: لا أقل من أن أتعرى هكذا لأشاركهم إحساسم بالبرد. هذه الكلمة لها قيمتها الكبيرة في هذا الباب، وإن مر بمثلها الكثير من الناس دون أن يأبه لها أو يلتفت إليها، إنها كلمة تنفذ إلى الأعماق بقوة تأثيرها ومفعولها، إنها تشير إلى أن المواساة ممكنة من كل أحد، كل على قدر طاقته، وتشعر- فوق ذلك- إلى أن شيئا أساسيا ينقصنا الآن، هو يقظة الشعور والوجدان.

وتحت تأثير هذه الكلمة قالت لي نفسي:- نفسي اللوامة- لا نفسي الأمارة: وأنت بم تشارك، لأنه يجب أن تشارك؟ فارتبكت أولا ثم قلت: نعم يجب أن أشارك ولكن بم أشارك؟ بمالي؟ ولكن أين المال من أمثالي حملة الأقلام؟ بأن أتعرى كما فعل صاحبنا، ولكن هل يفيد العراة أن أتعرى؟ لا، بل يزيد واحد في عددهم بعريي ليس إلا، وملكتني الحيرة فلم أجد ما أصنع، وأخيرا هداني تفكيري إلى شيء وإن كان لم يقنعني كثيرا ولكن يثبت إسمي في القائمة على كل حال قائمة المشاركين ولو سلبيا، قلت أعودهم. وأنظر إلى شقائهم فأتالم ثم أكتب عنهم ليتألم من كان مثلي لا يملك إلا أن يتألم، ففي التألم مشاركة وإن كانت مشاركة سلبية كمشاركة صاحبنا بعريه، ولكن هذه المشاركة السلبية قد تكون عند بعض الناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015