ورثاء الصديق، ورثاء الصديق، كشماتة العدو، كلاهما يثير كامن الألم ويهيج ساكن الهم والحزن، وإذا بالعيد ينقلب في عينه حسرة وألما، ثم عطفا ومرحمة، ثم إيثارا ومكرمة. على أن هذا لا يعني أن الإسلام يحول دون التمتع طيبات الحياة، أو أن العيد يجب أن يكون مأتما، وإنما يجب أن تكون لنا نظرة فاحصة عميقة، لا تقف عند الظواهر، ولا تكتفي بصور مشهودة، عن صور محجوبة بل إن هذه الصور المشهودة، يجب أن تنبهنا، وتلفت أنظارنا إلى الصور المحجوبة، وإن هذه الوجوه الباسمة، يجب أن تذكرنا بوجوه أخرى عابسة، خصوصا وأن العيد مظهر عام لعظمة الأمة، فالشخوص المحتجبة يجب أن تظهر، ليكثر عدد الأمة في عين العدو فيبتئس، وفي عين الصديق فيغتبط، والوجوه العابسة يجب أن تبسم ليتحد مظهر الأمة، ويتحقق تضامنها، فيعلم الناس أننا أمة متحدة متضامنة، ذات كيان وشخصية، واستعداد لأن تعيد تمثيل الدور، الذي مثلته في عهدها الزاهر، فانتظم به سير العالم، وصلح عليه أمر الدين والدنيا، وشمل الناس منه عهد رخاء وصفاء وراحة البال، وفي ذلك ما يبعث على تقديرها واحترامها وأن يحسب لها حسابها ولاسيما في هذا العصر، الذي تسيره القوة، لا الحكمة، ويحكمه الأقوى، لا الأصلح، وتوجهه الشهوة، لا العقل.

فيا أيها المترفون، اذكروا الذين لا يجدون ما ينفقون، ويا أيها المعيدون اذكروا الذين عيدوا في السجون، ويا أيها الآباء الذين مازالوا يتمتعون باجتماع الشمل، ورؤية الأولاد والأهل، أذكروا اليتامى الذين أغتال الموت آباءهم، والأيامى اللائي حصد الرصاص أزواجهن، ويا أيها المسلمون جميعا، لا تخدعكم المظاهر والأزياء، وأمعنوا النظر في بواطن الأشياء، ولا تحسبوا أن أمتكم هي كل ما ترون، فإن من وراء ما ترون، من هذا العدد الضئيل، عددا ليس بالقليل، ممن عدم الكساء والقوت، ولفظته البيوت، ولم يبق إلا أن يموت، وأعلموا أن العيد، يجب أن يعم الأمة كلها وإلا فليس بعيد، وأي عيد لمن ينعم بالعيش الرغيد، ومن حوله إخوان له في جهد جهيد؟ وكيف ينعم بالعيد، من يرى أطفال جاره، الذي أبعد عنهم، دون أن يعلموا له رجوعا يقضون ليلهم يتضورون جوعا، ولا يذوقون هجوعا، وأذكروا كيف كان عيدكم الدنيا بأجمعها، إذ كان علمكم يرفرف على بقاعها بأجمعها، وما بلغتم ذلك، إلا بتضامنكم وتعاونكم، وعملكم بقول نبيكم: "المؤمن للمؤمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015