العيد

قيل لراهب: متى عيدكم؟ قال: يوم لا نعصي الله، ولا يبعد أن يكون هذا عيدا حقيقيا، فإن معصية الله تعطل حكمته، التي بنى عليها نظام الكون، وتسبب غضبه، الذي يفضي إلى شقاء البشرية. وإذا كان من معاني العيد الشعور بالفرح والسرور، فأي شيء أدعى للفرح وأبعث على السرور، كأن تنتصر على طغيان هواك، وتتغلب على جموح طبعك، وتحرز على رضا ربك، ومدبر أمرك؟ ومما يرمز إليه العيد- ولاسيما عيد الأضحى- من معان إنسانية، التضحيه، والتضحية في معناها الكامل الشامل هي الإيثار: إيثار أخيك على نفسك، وعقلك على هواك، ودينك على دنياك، أو بعبارة أخرى، إيثار مما فيه حسن العاقبة على ما فيه اللذة العاجلة، فتؤثر السماحة على البخل، والثبات على الفرار، والعفو على الإنتقام، والصبر على الجزع، والطاعة على المعصية، وبذلك تستكمل تهذيب نفسك، وسمو روحك، ووثاقة خلقك، ومتانة دينك.

وما أجل معنى الإيثار في العيد، وما أقل من يشعر بمعنى الإيثار في العيد،

لأن الذي وقر في نفوس الناس، وظاهرته سلطة العرف والعادة، أن العيد، ميدان لانتهاب الملذات، وإطلاق العنان للشهوات. ولكن المؤمن يجب أن يكون مرهف الشعور، شديد الآنتباه، فهو إذ يتصور محيا العيد الباسم، ومظهر أهل اليسار، وذوي الكفاف، يكسو وجوههم البشر، ويطفو على ملامحهم السرور، ويرنح أعطافهم الشعور بالسعادة، وثبت به ذاكرته، وانطلق به خياله، إلى أكواخ الفقراء، وجحور البؤساء التعساء، قد احتجبوا فيها عن الناس، حتى لا يزيدهم مظهر سعادتهم شقاء، ورؤية نعيمهم بلاء، وحتى لا يثيروا في النفوس، شماتة العدو،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015