المجتمع الإسلامي رغم ذلك كله يرجى له الشفاء لأن جراثيم الصحة تكمن في جسمه كما تكمن فيه جراثيم الداء، فداؤه منه ودواؤه فيه، ولأن ثورة نفسية عنيفة بدأت تهز كيانه وتحاول أن تنفس عن نفسها بالآنفجار، ولطول ما قاسى من ألوان الظلم والاضطهاد والإرهاق، صار لا يبالي بالموت في سبيل الخلاص، الخلاص بالموت أو الخلاص بالتحرر من العبودية التي هي أشد على المسلم من الموت:
والموت لا يكون إلا مره … والموت خير من حياة مره
والحياة الشقية خير منها ملاقاة المنية، ونعم المربي الشدائد، وكما يربي
الله عباده ببعثة أنبيائه يربيهم بمضاعفة بلائه، فالعالم الإسلامي قد أيقظه من سباته وقع أزماته، ونبهه إلى واجباته، وليس بعد هذه اليقطة إلا الحياة السعيدة، حياة الحرية في ظل راية الإسلام والعربية، ولكن الرجاء في الشفاء لا يغني عن الدواء، وليس لنا إلا دواء واحد وهو لا يوجد عند طبيب نصراني ولا صيدلي يهودي وإنما يوجد في كتاب الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وإن في قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" لشفاء للعالم الإسلامي كله من دائه كله، لأن الذي مزق العالم الإسلامي وفكك أجزاءه هو الأنانية، الفناء في المصلحة الشخصية.
ولكن إذا كان في ديننا دواؤنا فإن أكبر دائنا أننا نعرض عن دوائنا إذ نعرض
عن ديننا فلنعتصم بحبل الله فلا ينقذنا من هذا الغرق إلا الاعتصام بحبل الله، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.