دخل أحد الزهاد على الرشيد فقال له: ما أزهدك! قال: أنت أزهد مني
يا أمير المؤمنين، قال: كيف؟ قال: لأني أزهد في الدنيا وأنت تزهد في الآخرة، والدنيا فانية والآخرة باقية.
ماذا يقول هذا الزاهد لو قدر له أن يعيش في هذا الزمن ويرى المسلمين؟
لاشك أنه يحكم عليهم جميعا بأنهم أزهد منه ومن صاحبه، لأنه يزهد في الدنيا وصاحبه يزهد في الآخرة، ونحن نزهد في الدنيا والآخرة معا لأن أسباب السعادة في الدنيا هي أسباب السعادة في الآخرة {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. ونحن لم نأخذ بهذه الأسباب وإنما تركنا الأخذ بالأسباب وجنحنا للراحة وأخلدنا إلى الأرض واتبعنا الهوى وقطعنا صلتنا بالله- مصدر القوة- فأصبحنا صورة بارزة للضعف، ولقمة سائغة للمستعمر. فنحن اليوم نعيش في مجتمع قد أصابه الضعف في جميع أجزائه كالمريض المجهد الذي يغالب أمراضا مختلفة تكاد تقضي عليه، وأكبر البلاء أن المرض يحتل أكبر مراكز القوه فيه وهو الشباب الذي توزعته المخامر والمقامر، وتقسمته المقاهي والملاهي، فهو صورة من الشهوة العارمة الصارمة الطاغية الباغية التي لا تبالي بأي شيء يقف في طريقها من حياء أو دين أو مروءة أو ضمير، فشبابنا يضعف عقله بالخمر ويضعف ماله بالقمار ويضعف صحته بالبغاء والتدخين ويضعف صلته بالله بقطع صلته بالدين، ويضعف صلته بتاريخه بقطع صلته بلغته، ويضعف صلته بأسرته بتقوية صفته بالمقهى والملهى ويضعف صلته بأمته بفرط أنانيته وعبادة شهوته، كل ذلك راجع إلى شيء واحد هو تنكبه الطريق الذي رسمه دينه وسار عليه سلفه فاهتدوا وهدوا وشادوا وبنوا، ولكن