وكان رابع الأسباب يكمن في اليهودية -والنصرانية من بعدها- ذلك أن أصحاب هاتين الديانتين، قد عملوا على نشرهما في بلاد العرب، ومن ثم فقد بذلت يهود -بادئ ذي بدء- الجهد، كل الجهد، في نشر قصص التوراة، -وبخاصة ما يتصل منها بالملك سليمان- ثم جاء الإسلام، واعترف بسليمان -عليه السلام- نبيًّا من رب العالمين، ثم سرعان ما ربطت يهود بين هذا، وبين ما جاء في القرآن الكريم بشأن قصة سليمان مع ملكة سبأ، وأخذت تذيع كل ما في التوراة -وما في غير التوراة- من قصص عن سليمان وملكه، وتأثر المؤرخون الإسلاميون بذلك وظهر ما عرف بالإسرائيليات، حيث أخذوا ينسبون إلى سليمان -وهو هنا سليمان النبي، أكثر منه سليمان الملك- كل مدينة لا يعرفون صاحبها، بل إنهم بالغوا في ذلك إلى درجة أنهم كانوا -كما يقول بعض الأخباريين- ينسبون كل مستظرف من البناء إلى سليمان، وأنهم كانوا إذا رأوا بناءً عجيبًا جهلوا بانيه، أضافوه إلى سليمان، وربما إلى الجن كذلك1.

ومضى حين من الدهر، وظهرت المسيحية في بلاد العرب، ومن ثم فقد بدأت تنافس اليهودية في نشر نفوذها الديني والثقافي في بلاد العرب، وتعاون أصحاب الديانتين -بقصد أو بغير قصد- على طمس معالم التاريخ العربي القديم، وبدأ القوم يعرضون عن ثقافتهم القديمة -وفي جملتها خط المسند- مما أدى آخر الأمر، إلى انقطاع القوم عن ثقافتهم العربية -والجنوبية بالذات2-.

ومرت الأيام، وجاء جيل من المؤرخين الإسلاميين، لا يكاد الواحد منهم يقرأ كلمة بخط المسند، أو يفقه جملة بالثمودية أو المعينية، فضلا عن السبئية والحضرمية، وغيرها من الكتابات العربية، وبقي الأمر كذلك، حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، فاتجهت أنظار الباحثين الغربيين إلى ارتياد النقوش، بصفتها المصدر الحقيقي الذي يمكن الاعتماد عليه في التعرف على لغات العرب القدامى، من سبئيين ومعينيين، وديدانيين ولحيانيين وثموديين وصفويين وغيرهم.

وأخيرًا فإن سيادة النظام القبلي في بقية شبه الجزيرة العربية، إنما أدى بطبيعة الحال إلى عدم وجود تاريخ مكتوب، واقتصار القوم على رواة الأخبار، يتحدثون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015