...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وآله.
تقديم
لعل من الأمور الغريبة أن المؤرخين الإسلامين قد انصرفوا عن التاريخ العربي القديم، إلا أن يكون مقدمات لتواريخهم المفصلة الدقيقة للعصور الإسلامية، وحتى هذه المقدمات لم تكن مفصلة ولا دقيقة، وربما كان السبب في ذلك أنهم لم يعتمدوا فيما كتبوه على سند مدون، أو مأخوذ من نص مكتوب، وإنما كان عمادهم في ذلك أفواه الرجال، وهو أمر لا يمكن الاطمئنان إليه، ذلك أن رواة الأخبار، حتى وإن كانوا بعيدين عن الميول والأهواء، وحتى إن كانوا من أصحاب الملكات التي وهبت القدرة على التمييز بين الغث والسمين، فإن للذاكرة آمادًا ليست بقادرة على تجاوزها.
ومن ثم فإن المتصفح لما كتبه كبار المؤرخين الإسلامين -كالطبري والمسعودي والبلاذري والدينوري، وابن الأثير وابن خلدون وغيرهم- ليعجب للدقة والتحري الصحيح الذي عالجوا به تاريخ الإسلام، في معظم الأحايين، بقدر ما يأسف على الإهمال والخلط، الذي صحب كتاباتهم عن عصور ما قبل الإسلام1.
وهكذا كانت المبالغات -إن لم نقل الخرافات- التي أدخلها أهل الأغراض، أو الطامعون ممن دخل الإسلام من يهود أو نصارى، وبخاصة أولئك الذين كانت لهم ثقافة يهودية واسعة، وفي نفس الوقت كانوا يتمتعون بمكانة مرموقة، ومركز ملحوظ بين المسلمين، لأنهم -كما يقول ابن إسحاق- "أهل العلم الأول"، ومن ثم فقد كان العرب يستفتونهم في بعض ما غمض عليهم، فيفتونهم بما تعودوه