وهكذا كانت الأمية هي الصفة الغالبة على العرب عشية ظهور الإسلام، حتى وإن كان الحديث الشريف -كما أراد البعض أن يفسره- لا ينفي الكتابة والحساب نفيًا شاملا، لأنه جاء في حديث الصيام ورؤية الهلال، وهو في نصه الكامل: "إنا أمة لا تكتب ولا تحسب الشهر هكذا وهكذا"، وإنما ينفي الحديث الشريف أن تكون الكتابة وأن يكون الحساب نظامًا عامًا متبعًا في كل الشئون، كما كان ذلك عند بعض الأمم الأخرى ذات التقاويم الفلكية1.

وهناك سبب آخر، وأعني به تلك الآفة الخبيثة التي ابتليت بها أمة العرب في كل أمصارها ذات التاريخ المجيد -في مصر وسورية والعراق، وفي بلاد العرب نفسها- تلك الآفة هي هدم المباني القديمة، واستخدام أنقاضها في مبان جديدة، بل ليت الأمر اقتصر على ذلك، وإنما تعداه إلى تحطيم كثير من الآثار، والعبث بعدد وافر من المقابر، بحثًا عن كنوز قد يجدها هؤلاء العابثون هنا وهناك، أو سرقة لعدد من التحف الأثرية ثم بيعها لمن يطلبها بثمن بخس دراهم معدودة في أغلب الأحايين، ولكنها في كل الحالات ثروة تاريخية لا تقدر بثمن، أيا كان هذا الثمن.

وهناك سبب ثالث، ذلك أن الجاهليين -خاصة في وسط بلاد العرب، في الحجاز ونجد- لم يكونوا يدونون تاريخهم بل كانوا يتذاكرون أيامهم وأحداثهم وما يقع لهم، وليس من المنطق أن نطالب الذاكرة أن تعي كل التاريخ وكل الشعر، أجيالا بعد أجيال، دون تدوين أو تسجيل، ومن ثم فعندما أتى العصر الأموي "41-132هـ = 661-750م"، وبدأ القوم في التسجيل، كان التاريخ العربي القديم قد اختلطت فيه القصص بالأساطير، وهذه بحقائق التاريخ، وبات من الصعب على القوم أن يفرقوا بين رواية صادقة، وأخرى كذوب، مما أدى آخر الأمر، إلى أن تخلوا كتاباتهم -إلى حد كبير- من الصفة التاريخية، وتبعد -كما يقول ابن خلدون- عن الحس والمنظور التاريخيين، اللذين يعتمدان على النقد والتحليل والنظر والتحقيق2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015