عن قبيلتهم وعن علاقتها بالقبائل الأخرى، وعن حوادثها وأيامها، فضلا عن رواة الأنساب، لما للنسب من أهمية في المجتمع القبلي، تفوق أهميته في أي مجتمع آخر، وليس من شك في أن تاريخًا من هذا النوع لا يعيش إلا بقدر ما يعيش رواته، ثم هو غالب الأحايين أقربُ إلى القصص والأساطير، منه إلى التاريخ الحقيقي1.
وهكذا يبدو لنا بوضوح أن الإسلام الحنيف، لم يكن هو السبب في إهمال التاريخ العربي القديم، فضلا عن اضطرابه وغموضه، وإنما هناك أسباب أخرى، لا صلة للإسلام بها من قريب أو بعيد، وإن كان للمؤرخين الإسلاميين دون شك، دور فيها، ذلك لأنهم كانوا ينظرون إليه على أساس أنه عصر همجية وإفلاس حضاري، وتدهور أخلاقي، وانحطاط في مجال السياسة والدين، فشوه هؤلاء المؤرخون تاريخ عصر ما قبل الإسلام في قسوة ظاهرة، وربما كان السبب في ذلك هو الرغبة في تمجيد الإسلام ورفع شأنه، ولكنهم أخطئوا الطريق، وأتاحوا للمغرضين من المستشرقين الفرصة في الطعن في الإسلام، واتهامه بما هو براء منه، ناسين أن هذا الدين العظيم، إنما جاء ليحطم البداوة واتجاهاتها الفردية، وليقضي على العصبية المذمومة، وليحل محلها رابطة الدين والعقيدة2.
وناسين كذلك أن العرب قبل الإسلام كانت لهم حضارة، ربا لا تقل -في بعض النواحي- عن حضارة معاصريهم من الروم والفرس، وأن نزول الوحي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باللسان العربي، لما له من قدرة على التعبير عن الرسالة، ثم ظهور الإسلام في مهد العرب، دليل على ما لأهل هذه الجزيرة العربية من قدرة على حمل الرسالة ومتابعة نشرها في الأرجاء3.
وهنا لعل الذين يكيلون الذم جزافًا للعرب وتاريخهم فيما قبل الإسلام، يتذكرون أن الإسلام في حقيقته ليس دعوة سماوية جاءت للعرب خاصة، وإنما للناس عامة، وأن اختيار العرب لحمل هذه الدعوة العالمية للناس جميعًا لم يكن عبثًا، وإنما كان لأن القوم الذين يحملون الدعوة العالمية، لا بد وأن تتوافر فيهم صفات تناسب هذه المهمة الضخمة في الصبر والتحمل والمخاطرة والشجاعة، واحترام العهود